سقوط الأصولية السلفية
لأنها عجزت عن تقديم مشروعٍ إنسانى عالمى يستطيع أن يتعامل مع التعدديات والمتغيرات سقطت الأصولية السلفية عمليًا، ولم يعد لها تأثير سوى تلك التوابع العقدية الجامدة والنفسية العدوانية والمذهبية المنحولة التي ما زالت تقبع تحت رماد المجتمعات التي دمرتها، ولأنها ليست مذهبًا فقهيًا معتبرًا يمكن الاجتهاد فيه عجزت عن التطور، فهى مذهب عقدى جامد وليست فكريًا مرنًا، وينزع بشدة باتجاه التمايز عن الآخر عقديًا تحت تأثير مفاهيم الغيرية التي نأت به عن مفاهيم التعاطى الإنسانى العالمى.
ولنكن صرحاء مع أنفسنا لكى نقرر بكل وضوح أن الوهابية السلفية أكثر مذاهب الأصولية تشددًا وليست من ابتداع محمد بن عبد الوهاب وحده، بل إنها نابعة من فقه التشدد لعصبة من الفقهاء القدامى الذين فرضوا أنفسهم على مذهب أهل السنة، ونحلوا ما يشبه التلمود الإسلامى المتشكل من جل المكتبة الفقهية التي تركوها، وبذل الوهابيون المال والجهد الكبير لكى تُصَف على أرفف المكتبات كأسفار مغلفةٍ بأغلفةٍ مذهبةٍ ثمينةٍ، لتباع بأقل من تكلفتها الفعلية، بغية دعم فكر هؤلاء المتشددين الذين أخرجوا الإسلام من سماحته وسلميته وإنسانيته الراقية إلى واقع من الصراع والبغض لكل المغايرين لهم وحتى بين المسلمين أنفسهم، ولم يتركوا هامشًا للاختلاف حتى ينشأ فقه آخر يتطور ويناسب المستجدات، فقادوا الفكر الإسلامى إلى حالة من الجمود الإقليمى والانزواء الحضارى والغربة الإنسانية، فمفاهيم العنف والقتل والتدمير التي نعانيها ليست جديدة أو مستمدة من فكر جاهلية المجتمع التي نادى بها سيد قطب، بل لها جذور معتبرة في تراث هؤلاء الفقهاء من أمثال ابن تيمية صاحب منهج العنف والغيرية والتكفير الذي يدعونه بشيخ الإسلام، وهو من أفتى بضرب عنق رجلٍ لمجرد أنه جهر بالنية في صلاته لعلةِ تشويشه على مَن بجانبه.
هناك ضرورة حتمية لا بديل عنها لتفعيل أصل البيان الإسلامى الإنسانى المتحضر المتمثل في سعة النداء القرآنى الراقى (يا أيها الناس)، ليحل محل تلك الأصولية السلفية العنصرية المتهاوية التي ضلت وأضلت، والتي شكلت إفراز التفسير العربى القرشى القبلى للإسلام.. بعد قرون طويلة من احتكاره وأسره.