رئيس التحرير
عصام كامل

يوحده الإحساس بالخطر.. وتفرقه لحظة الانتصار


الاستبداد يقتل في الإنسان كل ما هو جميل ونبيل، يقزم آماله وأحلامه، ينال من همته وعزيمته، يحطم إرادته وقدراته، ويجعله حائرا مرتبكا، غير قادر على التفكير المبدع والخلاق.. وكلما اشتدت حدة الاستبداد وطالت فترته، كلما كانت الآثار الناتجة رهيبة ومدمرة عليه وعلى الوطن..


وقد مارس مبارك ونظامه الاستبداد في شتى صوره، وقد عانى منه المواطن المصرى ألوانًا شتى من العذاب، وكان الاستبداد في كل العصور، اقترن استبداد الرجل بأنواع من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافى.. صحيح كانت نكبة الشعب المصرى ومعاناته بالأساس في حكامه ونخبه، لكنه في الحقيقة يتحمل جزءا من المسئولية، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها: ظلمه لنفسه ولمن حوله، فالشعب يأتيه الحاكم الذي يستحقه، والله تعالى يقول: "وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" (الأنعام: ١٢٩)، ثانيها: إنه كان سلبيا ولا يبالى طول الوقت، فقد صبر طويلا وتحمل كثيرا دون أن يتحرك للثورة على من أهانوه وكانوا سببا في عذاباته ومعاناته..

وثالثها: غياب الوعى بضرورة العمل المشترك وإيثار البقاء بعيدا عن أي تجمع يعمل بجد وصدق وإخلاص على استخلاص الحرية التي لا توهب، لكن تنتزع.. ليس بعمل فردى، وإنما من خلال عمل منظم وممنهج.. وليس بقوة أو عنف في مواجهة قوة أو عنف السلطة، وإنما باستخدام كل الوسائل السلمية المتاحة، وإلا أدخلنا أنفسنا في حلقة مفرغة من الدم ربما تستمر لبعض الوقت، لكن المعركة عادة تحسم في النهاية للأقوى، وهى هنا السلطة.. في ظل الاستبداد والفساد، اكتسب قطاع من المصريين - مع تباين في الدرجات - قدرة على التحايل و"الزوغان" من كل ما هو "قانونى" وأخلاقى، وانتهج في ذلك وسائل وأساليب وحيلًا يعجز عنها الأبالسة والشياطين، كما طفا على سطح المجتمع -كما يطفو أي غثاء - كل ما هو سيء ورديء.

وعندما قررت مجموعة من الشباب التظاهر ضد "الداخلية" في ذكرى عيدها السنوى، استجاب الشعب وخرج للوقوف ضد من قهروه.. كان خروجه مفاجئا ولم يكن متوقعا بأى حال، حتى للشعب نفسه، وكما تتساقط قطرات المطر فوق الهضبة لسنين طويلة، لتتجمع في النهاية في مجرى رئيسي، حتى إذا أتى على شفا جرف، نزل مندفعا بقوة - كسيل - مكتسحا أمامه أي موانع أو عوائق.. هكذا كانت الثورة.. تجمعت كشحنات غضب على مر السنين، حتى إذا وصلت إلى نهايتها، انفجرت في شكل ثورة..

وخلال ١٨ يومًا أظهر الشعب أفضل ما فيه من قيم نبيلة، تجسدت على أرض الواقع في ثورة ٢٥ يناير.. كان أهم ما يميز الثورة أنها كانت سلمية، لم يعكر صفوها أي عنف، رغم سقوط مئات الشهداء وإصابة عشرات الآلاف.. ومع بدء معايشته للحرية، عاد الشعب ليمارس منظومة القيم الهابطة، إضافة للتشرذم والانقسام والتمزق.. صحيح أنه لم يتغير شيء من النظام القديم سوى تنحية رأسه، لكن للأسف، نحن لم نتعلم كيفية الاستفادة من الحرية ولم نحسن التعامل معها..

لقد أسأنا استخدامها، وكنا أساتذة في إضاعتها.. وكما هو واضح أدى إحساسنا بالخطر إلى استنفار جميع قوانا، بينما أدت لحظة الانتصار إلى التفكك، خاصة عندما حاول كل فريق الاستئثار بالنصيب الأوفى من "الغنائم" دون الآخرين، وهو ما فعله الإخوان وأنصارهم عقب الثورة مباشرة.. نفس الشيء حدث لجبهة الإنقاذ وحركة تمرد عقب ثورة ٣٠ يونيو، فقد وحدها الإحساس بالخطر، وفرقتها لحظة الانتصار.
الجريدة الرسمية