باحثان أمريكيان يحذران واشنطن من صفقة الأسلحة "الروسية" لمصر.. شنيكر وتراجر: حجب المعونات العسكرية الأمريكية عن مصر يضر واشنطن.. شراء القاهرة للأسلحة الروسية يضعف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل

عدم الاتساق الأمريكي في المواقف التي اتخذتها تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، وانحيازها السافر إلى جانب الإخوان ضد إرادة الشعب بدا مختلفًا في التعاطى الأمريكى مع الثورة الأوكرانية حيث ساندت الولايات المتحدة الثورة ضد روسيا، ذلك ما أثاره ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، وإريك تراجر الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
أكد الباحثان في تحليلهما أن المصريين يقارنون بين دعم واشنطن للثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش"، وبين الموقف الأمريكى من ما حدث في مصر بعد ثورة 30 يونيو، فالمشاعر السائدة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الاتساق في المواقف والموثوقية.
وذكر شينكر وتراجر أنه حالة انعدام الثقة دفعت وزير الدفاع والإنتاج الحربى المشير عبد الفتاح السيسي، إلى اختيار روسيا كوجهة لأول زيارة له ووقامت الولايات المتحدة بتعليق نقل بعض الأنظمة العسكرية إلى مصر، ما دفع "السيسي" لطلب مساعدة موسكو، لتنويع مصادر البلاد من المشتريات العسكرية.
ووفقًا لعدة تقارير، وقّع "السيسي" على صفقات لشراء أسلحة بقيمة ملياري دولار من روسيا، خلال زيارته لموسكو، خلال المرحلة القادمة، ويرى "شينكر وتراجر أن مبيعات الأسلحة هذه يؤدى إلى إضعاف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل وتصبح عامل إثارة آخر في العلاقات الأمريكية المصرية.
الباحثان الأمريكيان يؤكدان أنه للوهلة الأولى، أن شراء القاهرة للأسلحة الروسية غير ضروري، وربما يكون محفوفًا بالمخاطر، في ضوء التزامات أمريكا المالية المستمرة تجاه مصر، والتي ظلت قائمة منذ اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، والقيود التي فرضتها واشنطن على العديد من النظم العسكرية الرئيسية دعت إلى الحاجة لوجود مورد إضافي، حيث علقت إدارة أوباما -لأجل غير مسمى- تسليم أربع طائرات إف 16، وخمس نظم صواريخ "هاربون" سفن - سفن وعشرات من أطقم دبابات "أبرامز إم وان أيه وان" ("M1A1") المقرر أن يتم تجميعها في مصر، وعلقت تسليم عشرة مروحيات "أباتشي" هجومية.
ويؤكدا أن الحصول على مروحيات إضافية من طراز "أباتشي" يمثل أهمية جوهرية لمصر، في ظل مواجهة تمرد إسلامي في شبه جزيرة سيناء، ويبدو أن المروحيات الأمريكية هي نظام القاهرة المفضل في حملتها لمكافحة الإرهاب في سيناء، إلا أن توافرها قد يشكل صعوبة، وتعمل جداول الصيانة الدورية عادة على تعطيل أكثر من ثلث قوتها الحالية، والبالغة "35" مروحية "أباتشي".
ويقول إريك وشينكر إن ما يزيد الأمور تعقيدًا أن مصادر في وزارة الدفاع المصرية ذكرت أن تحذيرات السفر التي أصدرتها وزارة الخارجية وعمليات الإخلاء المتفرقة والمؤقتة للأفراد الأمريكيين "غير الضروريين" من مصر أعاقت الصيانة المستمرة اللازمة التي يقدمها المقاولون الأمريكيون.
يذكر تراجر وشينكر أن هناك بنود على قائمة المشتريات المعلنة لمصر هي أكثر إثارة للجدل، حيث أفادت التقارير أن القاهرة تسعى للحصول على أنظمة دفاع جوي من موسكو -يحتمل أن تشمل صواريخ متطورة من نوع S-300- وكذلك طائرات مقاتلة من طراز ميج وأسلحة مضادة للدبابات من نوع كورنيت.
ومارست واشنطن وإسرائيل على مدى عقود ضغوطًا على روسيا، لعدم نقلها صواريخ "إس 300" إلى إيران، خشية من أن تحول تلك القدرات المتطورة التي تملكها طهران دون شن ضربة استباقية ضد مرافق الأسلحة النووية الإيرانية، ومن الواضح أن مصر لا تشكل ذلك النوع من التهديد الذي تمثله كل من إيران و«حزب الله»، فقد أوفت القاهرة بالتزاماتها تجاه معاهدة السلام مع إسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود.
وحال نقل هذه النظم المتطورة إلى مصر فإنها سوف تضعف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل، الغريب أن الباحثان الأمريكيان صنفوا سجل مصر بـ"الشائن" في انتهاك "قانون الرقابة على صادرات الأسلحة الأمريكية"، وفكرة إمكانية إقامة فنيي طائرات "ميج" الروس في نفس القواعد التي توجد بها طائرات "إف 16 إس" أمريكية الصنع لا تبعث على الثقة، بالنسبة للأمريكان.
ومبعث القلق الآخر لواشنطن أن الرياض، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، تتكفلان بشراء الذخائر الروسية لمصر، وقرار الرياض تمويل شراء أسلحة روسية وفرنسية بقيمة 5 مليار دولار لعملاء تقليديين للولايات المتحدة يعد إشارة واضحة على استياء السعوديين من السياسة الأمريكية بشأن قضايا إقليمية حساسة، ولا سيما إيران وسوريا ومصر، مشيرين أن مواصلة الاستياء بين الولايات المتحدة والسعودية قد يمكِّن القاهرة من شراء نظم أسلحة غير مسبوقة ومتقدمة للغاية ومثيرة للجدل رغم اعتراضات واشنطن وإسرائيل.
ويحلل الباحثان وجهة النظر المصرية قائلين" يُصر القادة السياسيون والعسكريون المصريون على أنه ليس لديهم أي مصلحة في تخفيض العلاقات مع واشنطن، ويعترفون بأن مصر لا تستطيع أن تستبدل على الفور اعتمادها على الأسلحة الأمريكية حتى لو كانوا يميلون إلى ذلك"، مؤكدين أن ردود الفعل الإعلامية المصرية على زيارة "السيسي" لموسكو تشير إلى أن القاهرة تحظى بدعم قوي لتنويع جهات توريد الأسلحة إليها، وإن انتقاد واشنطن المحدود جدًا لـ «الإخوان المسلمين» أثناء العام الذي قضوه في الحكم، عزز بشدة المناخ السياسي المناهض للولايات المتحدة والذي قد يرحب بالابتعاد عن واشنطن.
كما إن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئاسة "السيسي" المحتملة أشعل الحماس الشعبي لبناء علاقات أقوى مع موسكو، لا سيما في صفوف الكتلة الحساسة من المصريين، وفي بعض الدوائر، تمت مقارنة تواصل السيسي مع روسيا بتوجه الرئيس السابق جمال عبد الناصر نحو الاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي.
وبخلاف تلك المشاعر الشعبية، يرى بعض المحللين المصريين أن الميل نحو روسيا - حتى لو كان تدريجيًا - يعكس المصالح الإستراتيجية لبلادهم، فالسفير المصري السابق لدى روسيا رؤوف سعد قال إن "الحكومتين تتشاطران رؤية مشتركة لمكافحة الإرهاب، وأن علاقة موسكو الوثيقة مع إثيوبيا ستساعد القاهرة على معالجة المخاوف بشأن بناء "سد النهضة" على النيل". كما ذكر المسئولون العسكريون المصريون أن عدم فرض روسيا لشروط على مبيعات الأسلحة يجعلها شريكًا أكثر موثوقية من واشنطن، التي حظرت مؤقتًا تصدير الأسلحة ريثما يحدث إصلاح سياسي.
وهؤلاء المسئولين وغيرهم يؤمنون إلى حد بعيد بأن استمرار العلاقة مع الولايات المتحدة -رغم العثرات الأخيرة- يظل مصلحة إستراتيجية لمصر، ولا يؤيدون تحولًا كاملًا بعيدًا عن واشنطن.
يؤكد الباحثان أنه على الرغم من التطمينات من المسؤولين المصريين، إلا أن صفقة الأسلحة الروسية تنذر بتخفيض تدريجي لقدرة واشنطن على السيطرة على نوعية وكمية الأسلحة التي تحصل عليها القاهرة، وعلى الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، وإذا كانت مصر تنوي في واقع الأمر الحصول على نظم تغير قواعد اللعبة مثل نظام الصواريخ "إس 300" وصواريخ "كورنيت"، ينبغي على واشنطن أن تحذر القاهرة من المخاطر التي تشكلها تلك المشتريات على المساعدات الأمنية الأمريكية والعلاقات الثنائية الأوسع، وإن التعاون الإستراتيجي ومستوى الثقة بين إسرائيل ومصر، وخاصة حول سيناء، لم يكن أفضل مما هو عليه الآن، مشيرين إلى أن تغير الوضع القائم قد يقوض من تلك الثقة وربما حتى معاهدة السلام التي تم التوقيع عليها في "كامب ديفيد".
أكدا أن مساعي الولايات المتحدة لاستخدام مبيعات الأسلحة كورقة ضغط لاتباع أسلوب أكثر شمولية في الحكم من غير المرجح أن يكتب لها النجاح، واستمرار حجب المعونات العسكرية لن يحقق الديمقراطية في مصر، وقد ينطوي على تكاليف قصيرة الأجل لبعض المصالح الإستراتيجية لواشنطن.