رئيس التحرير
عصام كامل

"فيتو" تستعرض تاريخ العلاقات بين الكنيستين"المصرية والإثيوبية".. القوة الناعمة لحل أزمة "سد النهضة".. البابا: اجتماع مرسي الشهير أغضب الإثيوبيين.. و"جريش": الكنيسة مؤسسة وطنية لن تتأخر عن المساعدة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أثار فشل المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول "سد النهضة" مؤخرًا الحديث حول العلاقة بين الكنيستين "المصرية والإثيوبية"، وكيف يمكن أن تلعب هذه العلاقة دورًا في حل أزمة دول حوض النيل كقوة ناعمة يمكن أن تساعد مصر على تفادي الأضرار التي ستلحق بها عقب بناء السد الإثيوبي، والحفاظ على حصتنا التاريخية في مياه النهر.

يؤكد البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أن الكنيسة الإثيوبية تعتبر نفسها ابنة لكنيسة الإسكندرية من الناحية التاريخية، والآن هي شقيقة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ويوجد بيننا علاقات طيبة، وشارك وفد رفيع المستوى من الكنيسة المصرية في تجليس البطريرك السادس لها الأنبا ميتاس.

وقال خلال أحاديث تليفزيونية: "إنه كان من المقرر زيارة بطريرك إثيوبيا لمصر، لكننا طالبنا إرجاء الزيارة نظرًا للظروف الحالية". 
وعلق قداسته على بناء "سد النهضة" قائلًا: لا يستطيع أحد منع دولة من بناء السدود، وإنما نهر النيل هو عطية للعديد من الدول وملايين الأفراد".

وتابع: "مصر دولة مصب للنيل، ومن الضروري تقوية علاقتنا بدول حوض النيل، ولكن الاجتماع الذي عقد في عهد الدكتور مرسي لبحث أزمة سد النهضة حمل العديد من التجاوزات بشأن الجانب الإثيوبي، وهو شعب رقيق جدا يتأثر بسرعة".

وأضاف: إن الكنيسة المصرية تحاول من خلال الكاهن الخاص بها المتواجد في إثيوبيا، والأسقف المسئول عن العلاقات الكنسية الإثيوبية، بحث الأمر، ولفت إلى أن ارتباط الكنيسة الإثيوبية بالحكومة هناك ليس بالقوة التي كانت عليها من قبل ولكن سيكون لها دور، وأوضح أنه من المقرر زيارته لإثيوبيا لكن لم يحدد موعدها بعد، مشيرًا إلى أن قرابة 85 % من المياه تأتي من إثيوبيا، وأنهم في حاجة شديدة للطاقة الكهربائية وهو ما دفعهم للتفكير في إنشاء السدود.

فيما قال الأب رفيق جريش - رئيس المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية -: إن الكنيسة مؤسسة مصرية وطنية، وأنها لن تتأخر في المساهمة والمساعدة إن كانت تستطيع فعل أي شيء.

ومن جانبه أكد الدكتور القس إكرام لمعي - رئيس سنودس النيل الإنجيلي - أن للكنائس مهام روحية، وبحث مشكلات السدود أو غيرها هو شأن سياسي من الدرجة الأولى، ويتطلب مد جسور الود بين الدولتين ولن يقتصر الأمر على علاقة الكنيستين المصرية والإثيوبية.

من جانبها حاولت "فيتو" استعراض العلاقات التاريخية بين الكنيستين "المصرية والإثيوبية" والتي تمتد إلى عصور بعيدة تصل إلى القرن الأول الميلادي، عندما دخلت المسيحية إلى الحبشة على يد التلميذ "فيلبس".

وفي القرن الرابع الميلادي أصبح الدين المسيحي هو الرسمي في مملكة أكسوميت الإثيوبية، وذلك بعد تبشير الشقيقين" لفرومينتيوس، وإيديسيوس"، وأرسل أكسوم ملك إثيوبيا وقتها "لفرومينتيوس" إلى الإسكندرية للبطريرك أثناسيوس بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حاملا إليه طلب الملك بتنصيب أسقف للمملكة، وكان "سلامة" مبعوث الملك أول أسقف للكنيسة الإثيوبية، ومن حينها كان يلقب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية برئيس أساقفة الكنيسة الإثيوبية.

واستمر الاتحاد بين الكنيستين حتى بعد الفتح الإسلامي لمصر، وظلت المراسلات بين ملوك الحبشة والنوبة من جانب وبطاركة وباباوات الكنيسة المصرية من جانب آخر، إلا أنه في عهد الملك "زارا يعقوب" ملك إثيوبيا، بدأت الأمور في توتر بين الكنيستين؛ نظرًا لوجود إرساليات تحت عنوان اليسوعيين من كنائس أخرى لإثيوبيا". 

أعلن حينها الإمبراطور "سوسينيوس" أن الطائفة الكاثوليكية هي المذهب الرسمي له لإظهار التبعية لبابا روما وقتها، ما أدى إلى انتفاض الشعب ضده، ودفع الإمبراطور للتنازل إلى ابنه الذي قام بطرد الآباء اليسوعيين من إثيوبيا. 

وظلت العلاقة تسير على منهج الشد والجذب، وبعد نياحة "وفاة" البابا يؤانس الـ19 عام 1942م، تعالت مطالب الإثيوبيين بأن يكون مطرانهم من إثيوبيا ويكون له حق الرسامات للأساقفة الإثيوبيين، وأن يحق لهم تكوين مجمع من الأساقفة، كما طالبوا بأن يكون بطريرك الإثيوبيين من بينهم، وهو ما قوبل بالرفض من الكنيسة القبطية المصرية، وكان وقتها الأنبا كيرلس مطرانا من الكنيسة القبطية في إثيوبيا.

وبات التوتر يشوب علاقة الكنيستين المصرية والإثيوبية، إلى أن جاء البابا كيرلس السادس بطريركًا للكنيسة المصرية، والذي مد جسور الود مع الكنيسة الإثيوبية من جديد، حينما بعث بخطاب للإمبراطور هيلاسلاسي ملك إثيوبيا وقتها يدعوه لحضور تجليسه على سدة الكنيسة القبطية، ما أعطى انطباعًا بالصلح ومد جسور المحبة.

في عام 1948 قام بطريرك الكنيسة المصرية برسامة خمسة أساقفة من الإثيوبيين، وفوضهم لانتخاب بطريرك من بينهم للكنيسة الإثيوبية، وفي عام 51 اختير الأنبا باسيليوس كرئيس لأساقفة إثيوبيا وهو من أصل إثيوبي، وفي عام 59 توج البابا كيرلس السادس بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية وقتها الأنبا باسيليوس أول بطريرك للكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية.

دقت أجراس الخطر وقتها عن أزمة بين إثيوبيا ومصر بشأن مياه حوض النيل، ما دفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمطالبة البابا كيرلس للتدخل لحل الأزمة، وحينما دخل البابا كيرلس إثيوبيا كان هناك استقبالا حافلا وأنهيت الأزمة والتوترات بين البلدين بتدخل بابا الكنيسة المصرية.

بعد وفاة بطريرك إثيوبيا الأنبا باسيليوس عام 1971 م، وجاء خلفه الأنبا ثيوفيلوس، وتزامن ذلك مع سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974 م، فصلت الكنيسة في إثيوبيا عن الدولة؛ حيث بدأت الحكومة الجديدة التي تنتهج الفكر الماركسي بتأميم الأراضي بما في ذلك أراضي الكنيسة، كما اعتقلوا البطريرك ثيوفيلوس عام 1976 م، وضعفت بعدها العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية.

بعد أن استقلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1991 م أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية انفصال كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية، فأصبح لها بذلك مجمعها المقدس الخاص بها والمستقل عن المجمع الإثيوبي، وكانت دائما الكنيسة هي القوى الناعمة التي تلمس الأزمات مع إثيوبيا وتتدخل في حل أزمات المياه في العهود السابقة.
الجريدة الرسمية