رئيس التحرير
عصام كامل

خطأ حلاق الصحة.. أنار درب الأدب العربي.. طه حسين

طه حسين
طه حسين

يحكى أن طفلا أصيب بمرض الرمد في عصر لم يكن فيه سوى حلاق الكفر ملجأ فقراء القرى، وكان كبير الحكماء في عصره.. قدم حلاق الصحة وصفة لتساعد على علاج الطفل صاحب الأربعة أعوام فانتشل بوصفته النور من عيني الطفل الذي نشر بدوره هذا النور في عقول الاجيال.


بدأت القصة حينما مرض طه حسين على سلامة ابن قرية بسيطة بمركز مغاغة بالمنيا عام 1889 ولكون والده يعمل موظفا بسيطا ذهب به إلى كبير أطباء القرية "الحلاق" وقدم وصفته السحرية التي اضاءت بصيرة الطفل وخطفت بصره.

لم يكن البصر نقطة ضعف للصبي فالتحق بكتاب القرية لحفظ القرآن رغم نظرة البعض على أنه لا يصلح.. اطاح باحلامهم الباهتة وحفظ القرآن وهو في سن التاسعة وما إن لوحظ تفرده عن اقرانه حتى اتجه إلى العاصمة هو وشقيقه عام 1902 ليدرس بالأزهر منارة العلم والدين في ذلك الوقت لينهل منه ما يشتهى من علم، ولكنه سرعان ما تصادم مع الأفكار التي تتحلى بالجمود والمناهج التي لم يصبها التطور رغم وضعها في قرون سابقة إلا أنه استمر في بحثه وفحصه حتى حصل على الدكتوراه عام 1914 عن "ذكرى أبي العلاء" التي نالت من أفكار المتدينين المتزمتين المحاربين للتفكر في الحياة واخذ الأمور كمسلمات وهو ما رفضه طه حسين إلا أنه سرعان ما سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة "مونبيليه" مكث هناك فترة ليس بالقصيرة استطاع من خلالها أن يقارن بين الأزهر ممثلا للجامعات العربية في ذلك الوقت والجامعات الغربية في مجال التدريس وهو ما اثار استياء العديد من حوله لكن كبطل مغوار اصر على استكمال طريقه للنهاية ولم يخش لومة لائم وقام بعرض عمله الأول "في الشعر الجاهلى" والذي استند في كتابته إلى أسلوب ديكارت حتى انتهى به المطاف إلى اقرار أن الشعر الجاهلى كتب في العصر الإسلامي ولكنه نسب للعصر الجاهلى لاعتبارات سياسية واجتماعية وهو ما اثار سخط البعض على الاديب والمفكر طه حسين.

رغم الرفض والهجوم المجهولين على المفكر إلا أنه استطاع أن يوجد لنفسه مكانة وسط الجموع فأصبح استاذا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب ثم عميدا لها لـ 3 دورات كان أولاها عام 1928 ولكنه لم يستمر طويلا ليستقيل في يومه الأول لما راى من ضغوط تحول بينه وبين أفكاره ومعتقداته التي حلم دوما بتحقيقها ولكنه عاد مرة أخرى عام 1930 وكعادته لم يلبث كثيرا حتى تصادم ونقل مرة أخرى من منصبه حتى انتهى به المطاف بالعودة مرة أخرى إلى منصبه كعميد 1936 والتي قدم بها استقالته وكان له مقولة شهيرة وهى  "لا أكره أن آخذ نصيبى من رضا الناس عنى أو سخطهم علىّ، حين أعلن لهم ما يحبون أو ما يكرهون" كما قال عنه الشاعر السوري نزار القباني
ضوءُ عينَيْكَ.. أم حوارُ المَـرايا

أم هُـما طائِـرانِ يحتـرِقانِ؟

هل عيـونُ الأديبِ نهرُ لهيبٍ

أم عيـونُ الأديبِ نَهرُ أغانى؟

آه يا سـيّدى الذي جعلَ اللّيـلَ

نهارًا.. والأرضَ كالمهرجانِ..

اِرمِ نـظّارَتَيْـكَ كـى أتملّـى

كيف تبكى شـواطئُ المرجـانِ

اِرمِ نظّارَتَيْكَ... ما أنـتَ أعمى

إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ

أيّها الأزْهَرِىّ... يا سارقَ النّارِ

ويـا كاسـرًا حـدودَ الثـوانـى

عُـدْ إلينا.. فإنَّ عصـرَكَ عصرٌ

ذهبـىٌّ.. ونحـنُ عصـرٌ ثان

سَـقَطَ الفِكـرُ في النفاقِ السياسىِّ

وصارَ الأديـبُ كالـبَهْـلَـوَانِ

يتعاطى التبخيرَ.. يحترفُ الرقصَ

ويدعو بالنّصـرِ للسّلطانِ..

عُـدْ إلينا.. فإنَّ مـا يُكتَبُ اليومَ

صغيرُ الرؤى.. صغيرُ المعانى

نال طه حسين العديد من الجوائز والمناصب التي جعلت منه اسطورة تتحاكى عنها الاجيال فكان صاحب الفضل في تعليم الفقراء بجانب الاغنياء وله مقولة شهيرة " العلم كالماء والهواء" وساهم في تحقيق الحلم بشكل فعال ولكنه توقف فجأة لمهاجمة الموت له على حين غرة عام 1973 ويسلم روحه لبارئها وتنتهى حياة الاديب والمفكر وتخلد اعماله يتناقلها الاجيال فيما بينهم.
الجريدة الرسمية