رئيس التحرير
عصام كامل

غسل مخ الطلاب على شـرع الإخوان.. البنا استغل أموال الجماعة فى بناء المدارس الإخوانية.. التلمسانى أحيا خطط "الإمام" بمدارس المنارات الإسلامية.. والجماعة نافقت صدقى

حسن البنا مؤسس جماعة
حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين"

إذا أردت اكتشاف سر اهتمام «الإخوان المسلمين»، بالتعليم وعلاقته القوية بتحقيق مخطط تمكين الجماعة، فارجع إلى فكر مؤسسها حسن البنا، فقد حظيت قضية التعليم باهتمام «المؤسس» بشكل كبير خاصة أنه عمل في بداية حياته مدرسا في المرحلة الابتدائية وأدرك مدى تأثير المدرس على تلاميذه خاصة في هذه السن الصغيرة وهو ما دفعه منذ بداية تأسيسه لجماعته للعمل على أخونة التعليم في مصر بصفة عامة وإنشاء مدارس تديرها الجماعة بصفة خاصة، فعلى سبيل المثال لا الحصر تخبرنا رسائل حسن البنا أنه في عام 1935 قام وفد من الجماعة بزيارة وزير المعارف العمومية وطالبه بتعديل أسس التعليم في مصر لتتفق مع مبادئ الإسلام، وانتقد السماح للبعثات الأجنبية بافتتاح مدارس تساعد على نشر الثقافة الغربية..


في عام 1938 تقدم وزير المعارف إلى شيخ الأزهر بدراسة مدى إمكانية الدمج بين التعليم الأزهرى والتعليم العام، وهى المبادرة التي تبناها الشيخ حسن البنا وحث في رسالة إلى وزير المعارف على المضى قدما في هذه المحاولة لكى تهزم العلمانية وينتصر الإسلام!! وهو ما يفسر موقف الإخوان من بعد ثورة يناير وسعيهم لخطفهم للثورة منهم وتشويههم لليبرالليين بذريعة العلمانية.

وبالطبع لم تستجب الحكومة لمحاولات البنا باعتبارها محاولة لأخونة التعليم في مصر، خاصة أن مشايخ الأزهر لم يبدوا اعتراضا على مناهج التعليم العام كما فعل، وهو ما فسر بالرغبة في السيطرة على التعليم وبالتالى إخراج جيل إخوانى يدين بالولاء للبنا وجماعته.

على الجانب الآخر، كان البنا يستخدم أموال الاشتراكات التي يدفعها كل أعضاء الجماعة ثم أموال التبرعات التي يتلقاها البنا من الأثرياء المتعاطفين مع الفكرة الإسلامية دون الاهتمام بفكر الجماعة، ثم الشركات التي أنشأها البنا ويديرها لصالح الجماعة، وأخيرًا الإعانات التي كانت تتلقاها الجماعة من الحكومات التي تدعمها.

وبهذه الأموال بدأ البنا بناء المدارس الخاصة بالجماعة والتي تساهم بأكبر قدر في نشر فكر الإخوان وتوغله داخل المجتمع بصورة غير مباشرة، ويؤكد حسن البنا نفسه أن في عام 1946 كانت شعبة من شعب الإخوان تقوم ببناء مدرسة على الأقل، وهناك شعب قد بنت مدرستين وثلاث!!

فإذا علمنا أن شعب الإخوان في هذا الوقت قد بلغ ألفي شعبة، عرفنا مدى ما وصلت إليه مدارس الإخوان من تشعب في محافظات مصر بلا استثناء!!

ولكى نعرف مدى النفوذ الذي بلغه حسن البنا وجماعته في هذا الوقت من عام 1946، نقرأ رسالة أرسلها وزير المعارف آنذاك محمد حسن العشماوى وكان صديقًا شخصيًا للبنا يقول فيها إن وزارته ستقدم دعما لمدارس الإخوان يقدر بـ 75 قرشا لكل تلميذ، بالإضافة إلى تحمل نفقات كل الكتب الدراسية وأدوات الكتابة ومشتملاتها لكل المدارس، ثم أرسلت الوزارة رسالة أخرى بعد ذلك تؤكد فيها دعمها الكامل لكل مدارس الإخوان، ولكى تعرف سبب ذلك لابد أن تعرف أن رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل باشا صدقى استغل الإخوان لدعم المفاوضات التي كانت تجرى بينه وبين الإنجليز لترتيبات ما بعد الحرب العالمية، وهى المفاوضات التي رفضها حزب الوفد وعارضها بشدة، فكان الإخوان هم الواجهة التي يمكن لها ضرب شعبية الوفد، ولذلك خرج أحد قادة الإخوان في الجامعة آنذاك وهتف لرئيس الوزراء قائلا (واذكر في الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد) وهذا المقطع هو جزء من آية كريمة من سورة مريم، وهكذا أصبح صدقى باشا رسولًا نبيًا على يد الإخوان فاستحقوا دعم مدارسهم!!

هذا كان منهج الإخوان وشيخها الأول حسن البنا في إدارة الجماعة والملف التعليمى، وهو ما برز بعد ذلك في رؤية سيد قطب وكان بدوره مدرسًا كسلفه حسن البنا، وكان مرشحا لتولى وزارة المعارف بعد ثورة 23 يوليو، وهو أيضا ما سارت عليه الجماعات الإسلامية التي نشأت من رحم الجماعة الأم، وإليك بعض الأسماء التي تنتمى لجماعة الإخوان لترى مدى توغلهم في ملفات التعليم قديما وحديثا: أحمد السكرى، أحد مؤسسى جماعة الإخوان، وكان وكيل الجماعة وعضوا بمكتب الإرشاد، حيث عمل سكرتيرا بمدرسة رشيد الابتدائية، وترقى في المناصب داخل وزارة المعارف حتى أصبح سكرتيرا لمدير التعليم الزراعى بوزارة المعارف.

محمد فريد عبد الخالق، من الرعيل الأول المؤسس للجماعة، وكان مدرسًا للغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية، وعهد إليه حسن البنا بتنظيم الطلبة داخل الجماعة، كما ساهم في إعادة إحياء تنظيم الإخوان في السبعينيات بنفس وظيفته الأولى ولكن هذه المرة داخل المدارس والجامعات.

البهى الخولى، وهو أيضا من الرعيل الأول وعضو في مكتب الإرشاد، وكان مسئول الاتصال بين الجماعة وهيئة التحرير أولى تنظيمات ثورة يوليو 1952، حيث عمل كمدير للإرشاد الدينى بها، بدأ حياته مدرسًا بالمدارس الابتدائية الأزهرية.

محمد مهدى عاكف، المرشد السابق للإخوان المسلمين، حيث تولى المنصب في عام 2004، بدأ حياته مدرسا للألعاب الرياضية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية.

هذا بالإضافة للعديد من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية (الرئيس محمد مرسي كان أستاذا بكلية الهندسة قبل انتخابه رئيسا للجمهورية)، كذلك تشهد ساحات الجامعات معارك دامية على انتخابات اتحاد الطلبة، وكانت الاتحادات محسومة للتيار الدينى ابتداءً من عقد السبعينيات من القرن العشرين، ولعلنا نذكر الطالب عبد المنعم أبو الفتوح والقيادى الإخوانى فيما بعد والمرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الماضية وتحديه للرئيس السادات في السبعينيات!!.

ويوضح الدكتور أبو الفتوح في مذكراته أن دخول شباب الجماعة في اتحاد الطلاب لم يكن هدفا في حد ذاته، ويضيف: «كان هدفنا الواضح والوحيد هو الوصول بدعوتنا للطلاب، لذلك قررنا في عام 1973 -لأول مرة- خوض الانتخابات الطلابية ردا على الموقف المتعنت. وكان أول اتحاد قررنا دخوله اتحاد كلية طب قصر العيني باعتبارها معقل ومركز العمل الإسلامي وقتها، فترشحنا لجميع لجان الاتحاد الست!». في ذلك التوقيت حاول طلاب الجماعة السيطرة على اتحاد الطلاب بالكامل، بما في ذلك لجنة الفن التي سيطروا عليها لتجميد نشاطها لرفضهم الفن واعتباره رجسا من عمل الشيطان، ويؤكد ذلك بقوله: لم يكن لنا أي تصور عن الفن يسمح لنا بخوض انتخابات من أجل السيطرة على اللجنة التي تديره وتوجهه… ولكننا قررنا خوض الانتخابات في هذه اللجنة… فقط لوقف ذلك الفساد الذي كان يعني الفن نفسه!!

ويستطرد أبو الفتوح: وحين فزنا باللجنة الفنية في الاتحاد لم يكن لدينا أي رؤية عن الفن سوى أنه حرام ومن ثم لم يكن لدينا أي تصور عن إدارة هذه اللجنة سوى إيقاف عملها تقربا إلى الله! ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا من خلال الجماعة الإسلامية نتبنى مفهوم الفن الهادف والفن الإسلامي الذي بدأ وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية وكان عام 1973 أول عام ندخل فيه الاتحادات الطلابية لنفوز بمجالسها في كلية طب قصر العيني وأصبح أول رئيس لاتحاد طلابها من الجماعة الإسلامية ومنها انطلقنا إلى بقية جامعات مصر. 

في تلك الفترة تحول مبنى اتحاد كلية طب قصر العيني (وكان مبنى ضخمًا وله ساحاته وملاعبه الخاصة) إلى المركز العام للنشاط الإسلامي لجامعات مصر كلها، حيث كان يأتيه الطلاب المتدينون من كل مكان في الجمهورية.

ويضيف: كانت المخيمات الطلابية فرصة كبيرة لنشر دعوتنا بين الطلاب لوجود عدد من الكبار والمؤثرين الحريصين على الحضور معنا مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوى اللذين كان لهما دور توجيهي تثقيفي كبير، فضلا عن قيام الليل والمحافظة على الصلوات الخمس والأذكار، والنشاط الرياضي وتعلم النظام والانضباط، فكانت هذه المخيمات محضنًا تربويًا كبيرًا للطلاب في ذلك الوقت وفي أغلب الأحوال كنا نقيم المخيمات الجامعية في المدينة الجامعية المخصصة لسكن الطلاب.

في عقد السبعينيات أيضا عاد تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بسواعد شباب الجماعة الإسلامية، واختير عمر التلمسانى مرشدًا للجماعة، وكان التلمسانى كسلفيه مهتما بالسيطرة على عقول النشء الصغار من خلال التعليم فأحيا ثانية فكرة المدارس الإخوانية، وبدأها بمدارس إخوانية سماها «المنارات الإسلامية» وذلك في منتصف السبعينيات.

واستمرت الجماعة في إنشاء المدارس التي بدأت في الانتشار في بداية الثماينيات، وظهرت مدارس «الجيل المسلم» التي استقطبت نحو 7 آلاف طالب وطالبة في المراحل التعليمية من الابتدائى إلى الثانوى العام، وتوزعت في مدن «طنطا» و«المحلة الكبرى»، و«السنطة»، و«كفر الزيات»، وفى تلك الفترة ظهرت أيضا مدارس التربية الإسلامية بمحافظة المنوفية، وقد تنبه النظام السابق للمدارس الإخوانية، وحاولت الحكومات السابقة التضييق عليها ورفضت منح أفراد الجماعة تراخيص بإنشاء مدارس خاصة؛ فأسست الجماعة عددا من الجمعيات الأهلية التي كان الهدف الأساسي من إنشائها هو الحصول على تراخيص لبناء المدارس الإخوانية، وكانت أبرز تلك الجمعيات «جمعية الدعوة الإسلامية» التي أسست مدارس الدعوة الإسلامية»، وجمعية التربية الإسلامية التي أسست مدارس التربية الإسلامية بالمنوفية؛ والجمعية التربوية الإسلامية بمحافظة الغربية، فضلا عن مدارس الأفراد مثل مدارس حراء بأسيوط، ومدرسة الجزيرة الخاصة بالإسكندرية، ومدارس الرضوان بالقاهرة، ومدارس المدينة المنورة، ومدارس طيبة الخاصة بدمنهور بمحافظة البحيرة.

ومع نهاية عقد الثمناينيات برزت على السطح محاولات السيطرة على المدارس الحكومية من خلال المدرسين التابعين للجماعة والمتعاطفين مع الفكر الدينى، وبدأت الدعوة لحجاب الفتيات والمدرسات من خلال معلمى التربية والتعليم العائدين من الإعارة للسعودية والمشبعين بالفكر الوهابى، والذين تلاقت رؤاهم مع توجهات الإخوان المسلمين في ذلك الجانب، في عقد التسعينيات اشتد عود الجماعة داخل المدارس واستقطبت عددا كبيرا من طلاب المدارس الذين أصبحوا شبابا يدعون بدعوتها في الجامعات وفى المساجد، وفى منتصف التسعينيات حدثت أزمة بين وزير التربية والتعليم آنذاك الدكتور حسين كامل بهاء الدين، والذي أصدر قرارًا وزاريا عام 1995 لمنع حجاب الفتيات في المدارس إلا بإذن كتابى من ولى الأمر، وهو القرار الذي عارضته جماعة الإخوان المسلمين بشدة، وخالفه مدرسوها في المدارس ولم يلتزموا به فحدثت خلافات كبيرة بينهم وبين الوزير السابق لهذا السبب.

مع بداية الألفية الثالثة، بدأت الجماعة تكثف مجهوداتها في التعليم وزاد عدد المدارس الإخوانية، رغم التعنت الحكومى معهم ومع جمعياتهم الأهلية، لأنهم كانوا يلجأون إلى إنشاء جمعيات أهلية بأسماء غير إخوانية بهدف إنشاء مدارس إخوانية حينما كانت تتعنت حكومة مبارك معها، وزادت شوكة الإخوان في التعليم بعد حصولهم على 87 مقعدا في برلمان 2005، وبدأوا في ممارسة أعمال لم يكونوا يمارسونها من قبل داخل مدارسهم، ففى عام 2006 وتحديدا في 28 أغسطس، استبدل الطلاب في مدارس إخوانية بالنشيد الوطنى النشيد الإخوانى، وردد الأطفال الصغار في بعض دور الحضانة بمحافظة كفر الشيخ النشيد الإخوانى الذي يقول«قادمون.. قادمون.. نحن الإخوان المسلمون»، وهم يرتدون زيا عسكريا في احتفالات حضانة «الياسمين» بقرية «أبيانة» بمحافظة كفر الشيخ وفى هذا الاحتفال أصرت إدارة الحضانة على تجميع الأطفال من فروع الحضانة الثلاثة، الموجودة في «أبيانة» و«منية المرشد» بمحافظة كفر الشيخ والثالثة الموجودة في قرية «فزارة» بمحافظة البحيرة التي يملكها «عزمى شواى» ويشرف عليها القيادى الإخوانى «سامى حنفى».

وفى عام 2009 ألقت أجهزة الأمن القبض على 27 من الكوادر القيادية الإخوانية المكلفة بالعمل التنظيمي السري في أوساط العاملين بالتربية والتعليم داخل إحدي الوحدات السكنية المملوكة لمدير سابق بالتربية والتعليم بمدينة رأس البر. كان المقبوض عليهم يجتمعون في رأس البر لمناقشة السبل للسيطرة على نقابة المعلمين، واستقطاب المزيد من المعلمين وتجنيدهم لخدمة أهداف الجماعة، وكان ضمن المقبوض عليهم في ذلك الحادث نقيب المعلمين الدكتور أحمد الحلوانى، وكانوا قد اختاروا مدينة رأس البر حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم، وسافروا كمصيفين، ونزلوا بأحد الفنادق على الشاطئ، وتصادف تواجد أحد ضباط أمن الدولة في ذلك المصيف، وكان يعرف عددا منهم فلاحظ تجمعهم في أكثر من مرة، فأخطر أجهزة الأمن وألقى القبض عليهم.
الجريدة الرسمية