رئيس التحرير
عصام كامل

الموازنة شهادة فشل الحكومة.. لعنة خسائر المليارات السنوية.. وزير المالية: قانون الهيئات الاقتصادية لم يعدل منذ 64 عاما.. وفقد صلاحيته

وزير المالية
وزير المالية

تتحمل مصر تبعات ظروف استثنائية قاسية منذ أربع سنوات، جائحة فيروس كورونا وتبعاتها، الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرائق التى أشعلتها فى اقتصادات البلدان النامية، والآن العدوان الإسرائيلى على غزة وما تبعه من هجمات على السفن فى البحر الأحمر وتوترات عديدة.

والموضوعية تقول إن جملة الظروف أكبر من قدرات اقتصاد بلد من دول العالم الثالث على التحمل، خاصة أنها تؤدى إلى حالة من الخوف بين المستثمرين وصعود التضخم إلى مستويات تاريخية كما حدث فى مصر وانعكس على هروب رءوس الأموال، الأمر الذى ترتب عليه ارتفاع غير مسبوق فى تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وفى المقابل الانخفاض فى الإيرادات، خاصة من قناة السويس والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولكن هذا كله لا يعفى الحكومة من تحمل مسئوليتها عن تقديم أفضل إدارة ممكنة للأزمات، فقد سقطت الحكومة بسبب ضعف أدائها، وسياستها المرتبكة فى فخ الاستدانة وتنفيذ خطط صندوق النقد الدولى ورفع الدعم وزيادة أسعار كافة السلع، وأغلقت الأفق أمامها، بحيث لم يكن أمامها سوى تحرير سعر الصرف وإعلان الاتفاق على مشروع رأس الحكمة الذى أنقذ مصر واقتصادها من أزمة كارثية، لكن هذا ليس كافيا خاصة مع حجم الديون الضخم وارتفاع عجز الموازنة.

“فيتو” فى هذا الملف ترصد الخسائر الضخمة لعدد من الهيئات والجهات الحكومية فى الحساب الختامى لموازنة العام ٢٠٢٢/٢٠٢٣، وأزمات الموازنة الجديدة لمصر ٢٠٢٢/٢٠٢٣، وتحاول من خلال العديد من الاقتصاديين والسياسيين والبرلمانيين والخبراء طرح عدد من الحلول والمقترحات، فإلى التفاصيل:

 

 

خسائر الهيئات الحكومية عرض مستمر، فلا يكاد الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة فى أى سنة من السنوات خاصة السنوات الأخيرة يخلو من وجود خسائر تقدر بمليارات الجنيهات فى عدد من هذه الهيئات، لذا وصفها الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب السابق بالمشكلات الموروثة خلال إدارته إحدى جلسات البرلمان عام 2017، ووجه حديثه للدكتور محمد معيط وزير المالية قائلا: “هل نصفيها ولا نبيعها ولا نعيد هيكلتها ولا نغير مجالس إدارتها؟”.

ورغم مرور 7 أعوام تقريبا على هذا الحديث إلا أن عددا من الهيئات الحكومية ما زالت تحقق خسائر تقدر بمليارات الجنيهات وهو ما أكده فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، خلال استعراضه تفاصيل الحسابات الختامية لموازنات الهيئات الاقتصادية للعام المالى 2023/2022، والتى بلغت نحو 59 هيئة، مشيرًا إلى وجود 44 هيئة اقتصادية لا مشكلة فيها من حيث تحقيق الأرباح، بينما حققت 15 هيئة خسائر بلغت نحو 14 مليار جنيه، وحققت 39 هيئة اقتصادية أرباحا بلغت نحو 192 مليار جنيه، مقابل 5 هيئات حققت توازنًا بين إيراداتها ومصروفاتها الجارية، وألمح أن جملة ما تتيحه الموازنة لتلك الهيئات فى صورة قروض وإعانات يبلغ نحو 76 مليار جنيه.

بدوره قال الدكتور محمد معيط وزير المالية، خلال الجلسة العامة بمجلس النواب، أثناء عرض الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة ٢٠٢٢/٢٠٢٣ إن الوزارة مستمرة فى عملية الإصلاح، وأجرت دراسة بشأن إصلاح الهيئات الاقتصادية، وانتهت إلى مكان الخطورة فى الهيئات واقتراحات الإصلاح، مع وضع توصيات لبعض الهيئات، فهناك هيئات اقتصادية لا بد من أن تعود خدمية عامة وبعض الهيئات الاقتصادية لا تصلح أن تكون خدمية ولا اقتصادية ونرى دمجها.

وأكد وزير المالية أن الحكومة بصدد إجراء تعديلات على قانون الهيئات الاقتصادية، مشيرا إلى أن القانون المنظم يجرى حاليًّا عليه بعض التعديلات؛ لأنه منذ ما يقرب من 64 عامًا لم تُجرَ عليه تعديلات، وبالتالى لم يعد صالحًا لنستكمل به فى عام 2024.

ومن جانبه قال رشاد عبده الخبير الاقتصادى، إن السبب فى خسائر عدد من الهيئات الحكومية لمليارات الجنيهات يرجع فى سوء الإدارة، وعدم اختيار الكفاءات، وهى مشكلة عامة فى جميع دول العالم الثالث، إذ يكون الاختيار من المقربين وليس بالكفاءة المطلوبة، مشيرا إلى أن التشريعات والقوانين المنظمة لهذه الأعمال تحتاج إلى إعادة صياغة بالشكل الذى يليق بالعصر الحالى ومتطلباته.

وعن وجود العديد من الأحاديث عن الصناديق الخاصة للهيئات والمؤسسات الحكومية على مدى السنوات الأخيرة، وأنها تمتلك مبالغ ضخمة وغير مستثمرة، وعدم الاستفادة منها هو أبرز الأزمات التى تعانى منها الهيئات خلال الفترة الحالية، أكد عبده أنه إذا ما تم إدارة الصناديق الخاصة بشكل سليم وسوى من الممكن أن يكون عنصرا فعالا للغاية.

وأضاف: على سبيل المثال طلب مستشفى جهاز أشعة معين والدولة لا تستطيع توفيره، يمكن حينها تدبير المبلغ من رسوم الزيارات التى تدخل إلى المستشفى والتى توفر مبالغ طائلة، ولكن أن لم يوجد إدارة بالشكل المطلوب وكفاءات مؤهلة مع تواجد بعض الفاسدين بالهيئات وعدم وجود تشريعات فعالة تحاسبهم بالشكل المطلوب سيأخذون الأموال لمصالحهم الخاصة، ومن الممكن أن يشتروا سيارة خاصة لرئيس مجلس الإدارة بدلا من جهاز الأشعة المطلوب للمستشفى.

وأشار الخبير الاقتصادى فى تصريح خاص لـ«فيتو» إلى أن القروض والمنح الموجهة والمخصصة الهيئات الحكومية لا بد أن يتم صرفها فى مكانها الموضوعة لأجله، لكن بعض المنح يتم إهدارها بسبب عدم وجود دراسات غير جيدة ومجاملة غير المختصين، وهنا يجيب التأكيد مرة أخرى على أهمية اختيار الكفاءات والقيادات بالشكل الأمثل والدليل على ذلك عند توفر رئيس مجلس إدارة لإحدى الهيئات يحدث بها نقلة نوعية وإذا ما ذهب وأتى شخص آخر أقل فى القيادة تعود الهيئة للهبوط من جديد وتحقيق الخسائر.

وشدد عبده على أهمية اختيار الكفاءات، ومجالس إدارات حقيقية ذات قدر عال من الكفاءة تخدم على الصالح العام بجانب تعديل التشريعات والقوانين المنظمة لهذه الهيئات عن طريق مجلس النواب ستؤتى ثمارها وتعود هذه الهيئات للنجاح من جديد.

ومن جانبه قال على الإدريسى أستاذ الاقتصاد، إن المشكلة الرئيسية فى خسائر عدد من الهيئات الحكومية تكمن فى سوء الإدارة وضعف القدرات الإدارية فى هذه الهيئات، مشيرا إلى أننا فى حاجة للمشاركة مع القطاع الخاص والمزيد من الرقابة على الصناديق الخاصة وخدماتها لكى تستطيع أن تأتى بجدواها الذى من الممكن أن يكون متواجد فى بعض المؤسسات.

وأضاف الإدريسى فى تصريح خاص لـ«فيتو»، أن إتفاق المنح والقروض فى الأماكن غير المخصصة له تسبب بالفعل فى زيادة الخسائر وإن كانت قدمت فى الأماكن المخصصة لها لما كانت هذه الهيئات وصلت إلى هذه المرحلة، ونحتاج إلى إعادة النظر فى منح المكافآت والحصول على القروض والمنح، متسائلا: “هل من المعقول إن يتم إنفاق حوافز ومكافآت على أماكن تحقق خسائر سنوية.

ويرى الإدريسى أن حل أزمة خسارة عدد من الهيئات الحكومية يكمن فى دمج أكبر قدر ممكن فى الموازنة العامة للدولة بجانب إعادة النظر مرة أخرى فى الإدارة الخاصة بها، وعلى الجهات الرقابية إعادة النظر مرة أخرى فى أداء الإدارة للهيئات الخاسرة.

 

الجريدة الرسمية