رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا حدث في الزنزانة 20 وكيف مات حسن مرزوق؟

تُفتح أبواب السجن الثقيلة على صوت سيارة الترحيلات محملة بالإيراد، ليوزعوا على الزنازين.. يقف السجين حسن مرزوق، البلطجي الأشهر، 40 سنة، في طابور طويل ينتظر استلام ملابسه البيضاء.

 

يتلو السّجان التعليمات بصوت عالٍ، محذرًا من مخالفتها، وإلا سينال عقاب الحجز الانفرادي، ينادي اسم حسن، ويأمره بالدخول إلى الزنزانة رقم 20 حاملاً ملابسه الجديدة، وهو ينظر إليه بازدراء، مُمسكًا تلابيب ملابسه، ويقول: يا حسن يا مرزوق، مش عايز نوش، شغل البلطجة ده كان بره السجن، فاهم؟ ويُلقِي بباقي ملابسه على الأرض.

 

الزنزانة والنطبشي

يدخل حسن الزنزانة منكسرًا، فيرحب به السجناء بطريقتهم الخاصة، ويستقبله النبطشي؛ فتوة الزنزانة الذي يطلب منه النبطشية، أي الإتاوة التي يدفعها السجناء شهريًا، نظيرجلوسهم بسلام!
يخلد الجميع للنوم، لكن حسن لا يستطيع. تطارد خياله صورة ابنه خالد، يسمع صوته يردد: ليه يا بابا قتلتني؟ ليرد: أنت مش ابني!

القلق والندم

يعاني حسن الأرق والقلق، يبدأ التفكير في ما حدث، ويشعر بالندم على ما فعله. يتذكر كيف فقد أعصابه، عندما عايره أصدقاؤه على المقهى بأن الولد لا يشبهه، وليغيظوه أكثر لوحوا بفترة غيابه في الخليج وترك زوجته الشابة وحدها، كانوا يمزحون معه مزاحًا ثقيلا.. 

 

لكن يبدو أنهم نكأوا جرحا عميقا في نفسه، لم يصارح به أحدًا من قبل، فقام هائجًا إلى بيته، ورن زوجته علقة ونعتها بأبشع الصفات، ثم طعن ابنه حتى قضى عليه! الآن، بعد أن سكت عنه الغضب، وأدرك ما جناه على نفسه وبيته وابنه، يتمنى لو يستطيع الرجوع بالزمن، لكنه يعلم أن ذلك مستحيل!

 

يوم المحاكمة

يُشرق فجر يوم المحاكمة، ويُطل ضوء خافت من نافذة الزنزانة. يمسح حسن دموعه، ويحاول النهوض، يشعر بألم جسدي ونفسي، يعيش على أمل البراءة أو تخفيف الحكم..

 

يستقل حسن سيارة الترحيلات إلى محكمة جنايات القاهرة  بالتجمع الأول، يقف في قفص الاتهام لحين بدء المحاكمة.. يدخل الحاجب ينادي بصوته الأجش: محكمة، فيقف الجميع ويسود المكان الصمت.. ينادي الحاجب قضية حسن مرزوق.


القاضي: يا حسن أنت قتلت ابنك؟
يصمت برهة مترددا يريد أن ينكر كما أفهمه المحامي، يشاهد صورة ابنه أمامه وهو يقتله بدم بارد، فيرد: نعم قتلته.
- لماذا قتلته؟
- ⁠كنت شاكك في بنوته!

- ⁠ولماذا لم تلجأ إلى تحليل DNA؟
- ⁠الشكوك قتلتني ولم أتخيل تربية طفل مش من صلبي.
- ⁠إحنا عملنا التحليل بالفعل، والسؤال: وماذا لو طلع التحليل وأثبت إن خالد ابنك؟!
- ⁠يا ريت ما يطلع خالص مش عايز أعرف!

 

لكن القاضي لا يلتفت إلى كلامه ويخرج من بين أوراقه نتيجة التحليل، ويتلوه على الجميع ليثبت براءة زوجة حسن من اتهامها بارتكاب الخطيئة، ويؤكد أن خالد ابن حسن الذي قتله، ثم يحكم عليه بالسجن 15 سنة، ويخرج من المحكمة مكبلا بالأغلال الحديدية، في طريقه إلى السجن.

 

كان حسن يكاد يجن، وصورة الولد تتراقص أمام عينيه، لا تريد أن تفارقه، خاصة عندما وضعه في شوال وألقاه بمقابر المقطم، خيل إليه للوهلة الأولى أن عين الطفل تنطق بالعتاب وتستعطفه، كانت تخاطبه: لماذا فعلت هذا بي يا أبي؟ هل من ذنب اقترفته حتى تقتلني هذه القتلة؟ ثم يكون جزائي أن ألقى هكذا في المقبرة، ككلب ضال، حتى التراب بخلت به على جثتي، فتركتني عاريا مكفنا بالجروح والدماء!

 

يجلس في الزنزانة صامتًا بالساعات الطويلة، لا يأكل ولا يبرح مكانه، كأنه في حوار داخلي مع صوت بكاء الطفل الذي يلهب أعصابه، كل دمعة ذرفها ابنه قبل أن يقتله كانت كجمرة نار تحرق قلبه، يصوب نظره نحو الجدار، فيعود صوت الغلام يعاتبه من جديد.. 

 

 

يصوب نظره نحوه: كيف هانت عليك بنوتي وأبوتك فتركت نفسك للشيطان يستحوذ عليك في ساعة شر؟ هل فقدت كل ذرة من الرحمة التي وضعها الله في قلب الأب؟ هل هذا ما أستحقه منك؟ كيف كنت رخيصا إلى هذه الدرجة؟ هل هان عليك رباط الدم فأصبح ماءً حتى تلقي بي في التراب؟!     وفي الصباح أعلن السجن وفاة حسن مرزوق.

الجريدة الرسمية