رئيس التحرير
عصام كامل

اصلح قلمك يا فرديمان!

من السذاجة تصور أن حركة حماس حين قامت بعملية 7 أكتوبر الماضي كانت تخطط لخروج قادتها من غزة مجبرين مثلما حدث مع الفصائل الفلسطينية حين خرجت من لبنان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.

 

من السذاجة قبول حماس لهذا السيناريو وقد حققت انتصارا سياسيا، لتقدم غزة على طبق من فضة للكيان الصهيوني وعلى جثث وشلالات دم ضحايا قتلهم عدو فقد عقله بعد فضح خرافته وأساطيره الوهمية بأنه أكبر جيش وأقوى استخبارات لا تقهر.

 

لكن الذي أدهش الجميع هو تساقط ورق التوت عن عواصم الغرب التى تشدو صباحا ومساء عن الحرية وحقوق الإنسان، لكنهم انكشفت عوراتهم أمام الجميع وعلى الهواء مباشرة.

 

العمى أصاب الجميع من الانتصار السياسي والإنساني الذي حققته حماس في هذه الحرب باستخدام أسلحة بدائية أمام أحدث أسلحة الدمار الشامل. وفاجأت عدوهم وأنصاره من شبكة أنفاق هدفها الأساسي هو تجميع الكيان الصهيوني فيها للأبد!

الكل مقابل الكل

من السذاجة ألا نرى ما حققته هذه الحرب بوقف قطار التطبيع العربي المهرول إلى هذا الكيان وخروجه عن القضبان.. ومن السذاجة ألا ندرك ذلك الانتصار السياسى بإعادة القضية الفلسطينية للمشهد مرة أخرى.. 


لا يدرك الكثيرون أن حماس حققت انتصارا سياسيا على جبهات متعددة، بعد أن كانت القضية الفلسطينية قد دخلت غرفة الإنعاش منذ سنوات.. لذلك لم أندهش من بعض التسريبات الاسرائيلية التى تؤكد فيها أنها قد تقبل وقف الحرب مقابل اعادة الرهائن وخروح قيادات حماس من غزة كبديل مؤقت عن خروج الشعب الفلسطينى كله من غزة.. هذا هو إسلوبهم في التفاوض!

 

لكن استغربت كثيرا من الكاتب الأمريكي توماس فريدمان الذي يكتب في صحيفة نيويورك تايمز منذ 1995، بعد أن عمل مديرا لمكتبها في بيروت والقدس وتجول عن قرب في العواصم العربية وفى مقدمتها مصر.. 

سبب اندهاشى ليس قوله الذى هلل له البعض فى مقاله الأخير: إن الوقت قد حان لنهاية الحرب في غزة، فإسرائيل لن تحقق أهدافها المرجوة، ويجب على الرئيس الأميركي جو بايدن اتخاذ موقف صارم من دعم بنيامين نتنياهو. وأخبار إسرائيل بحزم، أن حربها لإبادة حماس لن تحقق أهدافها.

 

فأنا أرى ذلك مجرد تحصيل حاصل لواقع أجبرت المقاومة الجميع على الاقتناع به، لكن الاستغراب من وضع السم في العسل، والتخلي عن الحيادية التي يجب أن يتسم بها الكاتب السياسي بقوله:

على حكومة الرئيس الأميركي بايدن أن تجعل إسرائيل تعلن النصر في غزة وتنهي الحرب وتطرح على حماس انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، فالحرب مفيدة لقادة حماس، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، ووقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف دولي، ولا تبادل للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

 

يعنى كأن حماس خاضت هذه الحرب لقتل بضعة جنود صهاينة واختطاف عشرات الرهائن مقابل استشهاد وإصابة عشرات الألاف من الشهداء والمصابين الفلسطينيين وتدمير غزة!

 

لم يفهم فريدمان عبارة أن الكل مقابل الكل التى طرحتها حماس تعنى ببساطة كل الرهائن مقابل كل السجناء والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية.

سرقة وطن 

لم يفهم فريدمان أن المقصود من الكل مقابل الكل هو كل الرهائن مقابل فلسطين بالكامل وليس غزة، ومقابل الشعب الفلسطيني المسجون والمعتقل في وطنه، والحاضر البغيض مقابل الغد القريب دون هذا المحتل!

 

أما قول فريدمان وإيمانه بأن كل شيء لهم -أي الصهاينة- والعدم والموت لنا –أي الشعب الفلسطيني- فعليه أن يراجع ضميره قبل أن يخط كلمة في مقال، ويبحث في التاريخ ليعرف الحقيقة التي يحاول الصهاينة طمس معالمها منذ وعد بلفور حين أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وحتى الآن!

 

على فريدمان أن يدرك أن هذه الحرب فضحت الكيان الصهيونى وأنصاره حين يصرخون من احتجاز رهائن مزدوجى الجنسية، فالغرب كله يدافع عن الرهائن باعتبارهم رعايا لهم يحملون الجنسية الصهيونية إلى جانب جنسيتهم، ولا يفكرالغرب أن مواطنيهم جاءوا لأرض غريبة عنهم وقاموا بأكبر عملية في التاريخ لسرقة وطن وقتل شعب بالملايين.
 


والسؤال: هل يقبل القانون والعدالة في الغرب حماية قاتل أو لص أو مغتصب أو مدمر للحياة؟! فإذا كانت الإجابة: لا.. فأنا اقترح عليهم وطبقا للقانون الدولي أن يسحبوا كل رعاياهم من فلسطين المحتلة ويحاكموهم بهذه التهم في بلادهم، بدلا من محاكمتهم عندنا واتهامنا بمحاكمة رعايا دول أجنبية!

 

أما قول فريدمان إن حماس باعتبارها منظمة عسكرية، تستحق العقاب والضرب،  فهل الدفاع عن الوطن المسروق والشعب المقتول والمسجون في وطنه يستحق العقاب والضرب، وأى حرب مفيدة لحركة مقاومة وهى ترى كل هذا الدمار!

 

 

بصراحة أستغرب قلم فريدمان الذي استبدل حبره بشلالات دم عشرات الآلاف،  وسطر كلماته على جثث شعب مسروق ومسجون ومقتول، والغريبة أن الضمير الإنساني عند فريدمان يصور له أنه عند إنتهاء الحرب، وخروج قادة حماس للعلن، سيتم انتقادهم بشكل داخلي وعلني، من قبل الشعب الذي تعرض للدمار والقتل.. ولا يعرف أننا سنقيم لهم رايات النصر!
أخيرا.. سؤال للسيد فريدمان: هل ضميرك مرتاح؟!
yousrielsaid @ yahoo. Com

الجريدة الرسمية