رئيس التحرير
عصام كامل

في إيه يا دكتور مدبولي؟

ألا تملك حكومة الدكتور مصطفي مدبولي بكل أجهزتها معلومات عن كل تجار العملات الأجنبية ومحتكري السلع الأساسية في مصر، مثلما تمتلك معلومات وسجلات كاملة عن كل أعضاء الجماعات المتطرفة؟ ألا تستطيع حكومة الدكتور مدبولي بكل ما تمتلكه من سلطات من الإلقاء بكل هؤلاء اللصوص في السجون، حماية للاقتصاد القومي والأمن الاجتماعي للبلاد، مثلما فعلت مع كل الذين مثلوا خطرا على أمن هذا البلد طوال السنوات الماضية؟

 

أليس من سلطات حكومة الدكتور مصطفي مدبولي والبرلمان إقتراح وسن تشريعات صريحة خالية من الثغرات، تصل أدنى عقوباتها إلى السجن المؤبد والإعدام، تستطيع بموجبها ردع كل المتلاعبين بالدولار، وتجعل كل لص يفكر ألف مرة قبل الإقدام على احتكار أو حجب سلعة؟

 

وإذا كان بمقدور حكومة الدكتور مدبولي أن تفعل كل ما سبق، ولم تفعل، ألا يثير ذلك شكوكا بوجود شبه تعمد في ترك الاقتصاد الوطني والمواطن الفقير فريسة بأيدي لصوص، لتحقيق مكاسب وثروات يومية على حساب تدهور الحالة الإقتصادية بالبلاد ومعاناة الشعب المسكين؟

 

أؤكد أنني هنا لست بصدد توجيه اتهامات، غير أن الأداء الباهت والضعيف ل حكومة الدكتور مصطفى مدبولي بات فعليا يدعو للاستغراب، بعد أن ظهروا في صورة أقل ما توصف بالعجز عن اتخاذ قرار واحد للسيطرة على الارتفاع الجنوني الذي أصاب سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري، لدرجة جعلته يتخطى حاجز الـ50 جنيها، ومازال يواصل الارتفاع.

 

في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمات احتكارية في سلع نمتلك اكتفاء ذاتيا من أغلبها، مثل الأرز والسكر والسجائر، ووسط حديث عن دخول الزيوت بكامل أنواعها ضمن قائمة الاحتكار خلال الأيام القليلة القادمة.

مافيا الدولار

غير أن ما يدعو للعجب، في أزمة الدولار تحديدا، أن حكومة الدكتور مدبولي تعلم أنه تتم المضاربة على مليارات الدولارات يوميا في شوارع مصر، في الوقت الذي من الطبيعي أن أجهزتها تمتلك معلومات كاملة عن كل تجار العملة في مصر، غير أنه بدلا من الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء والإلقاء بهم في السجون، أدارت الحكومة ظهرها للملف، وتركت تلك المافيا تنتشر وتتوسع وتعمل بكل أريحية، إلى أن تخطى سعر الدولار حاجز الخمسين جنيها.

 

ولعل الأكثر غرابة في هذا الملف، هو إهمال حكومة الدكتور مصطفي مدبولي أيضا لملف المافيا التي تشكلت في دول الخليج منذ عام 2014، لتجفيف تحويلات المصريين بالخارج من المنبع، ونجحت فعليا في منع ما يزيد على 80% منها من الوصول إلى البلاد، وحرمان مصر من نحو 100 مليار سنويا.

 

حيث تقوم تلك المافيا بجمع مدخرات المصريين من العملات الاجنبية، واستبدال مقابلها بالجنيه المصري، وبأعلى سعر، والوصول بها إلى أي مكان في مصر عن طريق عملائها بالداخل خلال دقائق معدودة، دون السماح بدخول دولار واحد إلى البلاد.

 

ونجحت في ظل إهمال حكومة الدكتور مدبولي في التوسع والتشعب، وإضافة آلاف الأعضاء الجدد في الداخل والخارج، لدرجة أنها باتت تمتلك شبكة تغطى كل مدينة وقرية ونجع في الداخل المصري، وكأن ما يحدث من خراب في مصر على هوى الحكومة.

مافيا الأرز

وفيما يتعلق بأزمة الأرز، فلا أدرى كيف تركت الحكومة الأزمة تتفاقم إلى أن وصل سعر الكيلو الواحد إلى أكثر من 30 جنيها، رغم اكتفاء البلاد منه ذاتيا، وعلمها بأسماء كل المحتكرين الذين تعج مخازنهم بمئات الأطنان منه، بل ووجود كميات كبيرة منه بالمضارب، مضاف إليه المحصول الجديد، وما قامت الحكومة باستيراده بفعل الأزمة.

 

المؤسف، رغم الارتفاع الجنوني لأسعار الأرز، فإن الوقع على الأرض يؤكد أنه موجود بأيدي التجار، ويتم تداوله فيما بينهم بسعر لا يزيد عن 13.5 ألف جنيه للطن رفيع الحبة، و22 ألف جنيه للطن عريض الحبة، في ظل إنتاج وفير ناتج عن سماح الحكومة بزيادة المساحات المنزرعة في العام الماضي من مليون و100 ألف فدان، إلى ما يزيد على مليون و600 ألف فدان.

 

أي أن الواقع يقول إنه لا أزمة، ولا وصف لما يحدث سوى أنه ابتزاز للمواطن، وأن السعر العادل لكيلو الأرز الأبيض يجب أن يتراوح بين 15 و23 جنيها حسب الجودة والنوعية، غير أن ل حكومة الدكتور مدبولي رأى آخر.

مافيا السجائر

وفيما يتعلق بأزمة السجائر، فقد عجزت حكومة الدكتور مصطفي مدبولي على مدار شهور في احتوائها، أو كبح احتكار تجار الأزمة الذين نجحوا في تحقيق مكاسب تقدر بمليارات الجنيهات، بعد زيادة أسعار كل أنوع السجاير في السوق السوداء بواقع يصل لـ 40 جنيها في العلبة الواحدة، على الرغم من تأكيد الشركة المنتجة أنه لا وجود لأزمة، أو نقص في الإنتاج.

أزمة السكر

ولأسباب مجهولة لا أجد لها مبررا، استيقظت مصر فجأة على أزمة في السكر، جعل الكيلو الواحد من المنتج الذي تكتفي البلاد منه ذاتيا بنسبة تصل لنحو 95% يرتفع بشكل تدريجي من 10 جنيهات ليصل إلى ما يقرب من 60 جنيها خلال أقل من عام، بعد أن توقف سعره لشهور عند حاجز الـ27 جنيها.

 

ولعل ما يدعو للعجب في الأزمة التي تشهدها مصر في الوقت الحالي، أن إنتاج البلاد من السكر يصل سنويا لنحو 2.7 مليون طن، في ظل احتياجات سنوية تصل لنحو 3.5 مليون طن، وتلجأ الحكومة بشكل معتاد إلى تعويض الفارق الضئيل بين الإنتاج والاستهلاك من خلال الاستيراد.

 

غير أن أسباب الأزمة التي يتم الترويج لها في الوقت الحالي جميعها واهية، وسط حديث ومؤشرات تؤكد أنها مفتعلة بأيدي تجار، وعجز حكومي وصل إلى حد خروج وزير التموين عاجزا وكأنه وحكومة الدكتور مدبولي بلا سلطات، ملوحا بعرض الأمر على الحكومة بعد يوم 15 ديسمبر الجاري لفرض تسعيرة جبرية في حالة عدم تراجع الأسعار.

 

 

الثابت أن حكومة الدكتور مصطفي مدبولي لديها أجهزة، وأن تلك الأجهزة تمتلك معلومات عن كل متلاعب ومحتكر في هذا البلد، كما أنه بقدورها استخدام واستحداث تشريعات لوقف مهزلة الدولار واحتكار السلع في مصر، غير أنها لماذا لا تتحرك أو تستخدم سلطاتها تجاه كل هؤلاء اللصوص؟ فالإجابة لدى الدكتور مصطفي مدبولي وكامل حكومته.. وكفى.

الجريدة الرسمية