رئيس التحرير
عصام كامل

حكاوي زمان، توفيق الحكيم يروي حكاية حانوت الحلاقة وضريبة الـ 50% على الأغنياء

حكاوى زمان، فيتو
حكاوى زمان، فيتو

 فى مجلة آخر ساعة عام 1946 كتب الأديب توفيق الحكيم (ولد فى أكتوبر1898 ورحل عام 1987) مقالا يقول فيه: كنت ذات يوم فى حانوت حلاقة، فقال لى العامل الذى يحلق لى: انظر إلى أصبع يدى التى عن طريقها ارتزق، بها وجع وتحتاج جراحة وليس عندى ما أنفقه على أولادى فماذا أفعل؟ وكان يعمل فى نفس المحل حلاق أجنبى، فقلت له أهو يتقاضى مثلك أم أكثر منك؟


قال يتقاضى مثلى نفس الأجر لكن هناك فرقا شاسعا بينى وبينه.. لأن الجالية التى ينتمى إليها هذا الأجنبى نظمت شئون طبقاتها العاملة والفقيرة.. إن أولاده يدرسون فى مدارس الجالية بالمجان ويعالج هو وأسرته فى مستشفيات بالمجان، ويستطيع الحصول على ضرورات الحياة بالمجان.. وكل هذا يجعله يعيش فى مستوى أعلى من زميل مصرى يعيش فى وطنه وأهله وحكومته.


وأضاف العامل: نحن العمال المصريين قد لا تهمنا زيادة الأجور بقدر ما يهمنا زيادة المساعدات والمزايا التى تخفف عن كاهلنا الأعباء. هززت رأسى ولزمت الصمت.. ولكنى جعلت منذ ذلك اليوم أفكر فى مصير هذه الطبقات العاملة، وأفكر فى واجبات هذه الطبقات الحاكمة.


إنهم يتحدثون كثيرًا عن مكافحة الفقر والجهل والمرض، ويعتمدون لهذه الحرب الملايين والخطط، وما أكثر البرامج التى تقرر على الورق، وما أكثر الأرقام التى ترصد فى الميزانيات.. ولم يزل الفقير تفرض عليه أعباء شأنه فى ذلك شأن الغنى.


والشعب المصرى لا يصدق الوعود والأمانى فهو يقول لنفسه: “كلام الليل مدهون بزبدة يطلع عليه النهار يسيح”. وكيف نريد من الناس أن تصدق وهم يسمعون خطبا ولا يرون ذهبا.. فهل يوجد فى بلد من بلاد العالم اليوم أغنياء يدفعون ضرائب بالضآلة التى يدفعها أغنياء مصر؟


أرسل لى ناشر إنجليزى دفعة من حساب كتاب لى مترجم فى إنجلترا، وفرحت بالمبلغ فلما وصلنى وجدت الحكومة الإنجليزية قد استولت على 50% منه ضريبة. سخطت أول الأمر، لكنى تذكرت أن من الأغنياء هناك من يقبضون 1% من إيرادهم وتستولى الحكومة على 99% فلا ندهش إذا وجدنا الطبقات العاملة والفقيرة فى إنجلترا تجد كل المزايا المجانية التى تشعره بأنه عضو حقيقى فى أمته.

 هل يقبل الغنى المصرى أن يدفع للحكومة ضريبة تصل إلى 50% فقط من إيراده الكبير.. فاليوم الذى تفرض فيه مثل هذه الضريبة فى بلادنا هو اليوم الذى يعتبر فيه محاربة الفقر والجهل والمرض ضرورة أوحى بها ضمير أمة.. لا أنشودة تتفكه بها أشداق الأغنياء والمسئولين.

الجريدة الرسمية