موسم الهجوم على أم الثورات!
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن ثورة 23 يوليو 1952 فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن سبعة عقود على قيامها، إلا أنها لازالت تثير العديد من القضايا الإشكالية فمع قدوم شهر يوليو من كل عام يقوم مؤيدوها بالاحتفال بالذكرى ويمجدون زعيمها الذى انتصر للفقراء والكادحين والمهمشين وحقق لهم إنسانيتهم وأعاد إليهم كرامتهم المهدرة داخل وطنهم، وحقق انتصارات وضعته في قلوب الملايين سواء في وطنه الأصغر أوطنه العربي الأكبر بل ومن قبل كل الأحرار في العالم..
ورغم الهزيمة والانكسار في 5 يونيو 1967 ظلت الجماهير متمسكة به باعتباره القائد والرمز والأمل القادر على تجاوز الصعوبات والمحن، وعند وفاته خرجت الجماهير في أماكن عديدة على سطح الكرة الأرضية كالطوفان لتودعه ولتخلد ذكراه.
أما معارضوها فمازالوا يستغلون الذكرى ليجددوا الهجوم عليها وعلى زعيمها ويصفونهما بكل نقيصة، ويحاولون تشويه كل إنجازاتها بل وصل الأمر للخلاف حول مسماها ذاته وهل هي ثورة أم لا؟
ولا شك أن هؤلاء المعارضين المهاجمين للثورة وزعيمها قد أصابهم بعضًا من ضرر نتيجة قيام الثورة وانحيازها لجموع الشعب، وبالتالي سحبت من تحت أقدامهم جزءً من ثروة وسلطة ومكانة اجتماعية كانوا يحصلون عليها قبل قيام الثورة في ظل حكم ملك غير مصري (ألباني) حصل على كرسي الحكم بالوراثة، ومندوب سامي للمحتل البريطاني كان هو الحاكم الفعلي للبلاد..
وكان آباء وأجداد المهاجمين للثورة وزعيمها اليوم يحصلون على الثروة والسلطة والمكانة الاجتماعية من خلال قربهم وتقديم فروض الولاء والطاعة للملك والمندوب السامي.
وما بين هؤلاء المؤيدون وأولئك المعارضون يدور دائما السجال لكن الغريب في الأمر حقا هو اتساع دائرة المعارضة لتضم إليها أبناء وأحفاد بعض من انتصرت لهم الثورة من أبناء الفلاحين المعدمين الذين كانوا يعملون بالسخرة وفي ظل ظروف غير انسانية لدى الباشوات الذين منحتهم أسرة محمد علي الألباني مئات وآلاف الأفدنة دون وجه حق فقط لأنهم كانوا يعملون في خدمة البلاط الملكي، وجزء من حاشية الملك المغتصب لثروات الوطن..
ويأتي تطاول هؤلاء على الثورة وزعيمها في محاولة لإخفاء أصولهم الاجتماعية الحقيقية بعد أن تمكنوا من الصعود لأعلى السلم الاجتماعي بفضل الثورة وانجازاتها على كافة المستويات.
وعندما نوجه السؤال لهؤلاء هل كان أبوك أوجدك باشا منحه الملك قطعة أرض من الخاصة الملكية، فتكون الإجابة لا، وبالبحث والتقصي تتأكد أن أبوه وجده كان فلاح معدم، حصل على خمسة أفدنة بفضل الثورة وقانون الإصلاح الزراعي، ولديهم داخل البيت صورة للزعيم جمال عبد الناصر وهو يسلم الأب أو الجد صك الملكية..
قضايا خلافية حول الثورة
وبفضل هذه الأفدنة الخمس استطاع الأب أو الجد من تعليمهم وإدخالهم للجامعة بعد أن أصبح التعليم مجاني بفضل الثورة، وبعد التخرج حصلوا على وظيفة بفضل القوى العاملة التي أنشأتها الثورة، وأرسلوا لبعثات بالخارج وعادوا لوظائفهم المحفوظة وتدرجوا بها إلى أن أصبحوا في مكانة مرموقة توازي مكانة الباشوات في العصر الملكي، إذن لماذا يهاجمون الثورة وزعيمها ؟! وهنا تجد إما عجزًا عن الإجابة أو إجابات خارج نطاق العقل والمنطق.
ومن القضايا الخلافية على الثورة حتى الآن هي تسميتها، فالمعارضون لها لازالوا يصفونها بالانقلاب في محاولة للتقليل من شأنها والنيل منها، ولهؤلاء نقول أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها، فالتعريف العلمي للثورة يقول: "أنها إحداث تغيير جذري إيجابي في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية "..
ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد وبما لا يدع مجالًا للشك أن ما حدث في 23 يوليو 1952 هو ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أحدثت الثورة تغييرًا جذريًا إيجابيًا في بنية المجتمع على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومكنت الغالبية العظمى من المصريين من الحصول على حقهم في ثروات وخيرات بلادهم..
وأحدثت تغييرًا جذريًا في البنية الطبقية فخلال أيام معدودة تحول الفلاحين الأجراء والمعدمين إلى ملاك وانتقلت ألاف الأسر من الطبقة الدنيا إلى الطبقة الوسطى مباشرة، وخلال سنوات معدودة أيضا انتقل ألاف آخرون من أسفل السلم الاجتماعي إلى أعلاه بفضل التعليم المجاني وفرص العمل.
وبعد كل ذلك يأتي من يحاول تشويه الثورة والنيل منها ومن زعيمها وانجازاتها فتجد من يهاجم تأميم قناة السويس بحجة أن حق الامتياز كان سيعود خلال سنوات، ومن يهاجم السد العالي بحجة حجب الطمي والأسماك خلفه، ومن يهاجم القطاع العام ويطالب ببيعه بحجة سوء إدارته، ومن يهاجم التعليم والصحة المجانية بحجة عدم جودتهما..
وإذا كان ذلك المهاجم من أبناء أو أحفاد باشوات ما قبل الثورة كان يمكننا أن نجد له العذر لهذا الحقد وهذه الكراهية للثورة وقائدها، لكن غالبية المهاجمين لها اليوم هم من أبناء الفقراء والمعدمين الذين لولا الثورة ما حصلوا على مكانتهم الحالية وكان وضعهم الحقيقي عمال زراعيين يعملون بالسخرة لدى باشوات ما قبل الثورة، وفي موسم الهجوم على أم الثورات نقول لهؤلاء لن تفلح أكاذيبكم في تزييف وعي العقل الجمعي المصري والعربي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.