رئيس التحرير
عصام كامل

هاني شنودة.. الأصيل

اقترن اسم الموسيقار الكبير هاني شنودة، منذ بدايته بالبهجة والسعادة التي تضفيها موسيقاه الفريدة المتجددة، إذ وجد الموسيقى العربية تميل إلى التقليدية والتكرار والمقدمات الطويلة، فأدخل عليها علوم النغم مثل الهارموني والكونتربوينت واستخدم آلات موسيقية لم تكن معروفة حينها فسادت حتى الآن، مؤسسًا نهج موسيقي متفرد تبنى من خلاله مواهب واعدة بات أصحابها نجومًا لامعة.. 

 

كما تبنى مفهوم العمل الجماعي في الغناء بتأسيسه فرقة المصريين، التي أفرخت أجيالا من النجوم، وأغنيات تحاكي قضايا مجتمعية ببساطة مدهشة وكلمات لم يفكر أحد قبله في غنائها، وكانت ألبومات الفرقة تنفد من الأسواق بعد أيام من إصدارها، إلى أن توقفت بعد سنوات لسفر أو وفاة بعض أعضائها..

 

لكن ذيوع شهرة المصريين فتح الباب لتأسيس عشرات الفرق الغنائية المماثلة في مصر، بينما استمر نبوغ هانى شنودة، وتميزه في التلحين لنجوم الساحة الكبار والشباب على حد سواء، إلى جانب تأليف الموسيقى التصويرية لأفلام السينما، وامتد مشواره الناجح لأكثر من خمسة عقود، ولا يزال يثري الساحة ويتمتع الجمهور بموسيقاه وأحاديثه ووطنيته وعطائه غير المحدود، ومع هذا لم ينل للأسف التقدير المستحق!

جائزة الدولة التقديرية

أرادت وزارة الثقافة تدارك تقصيرها سنوات تجاه الموسيقار المجدد هاني شنودة وتقاعسها عن تكريمه، مستفيدة في ذلك من انتقاد الجمهور لها بقسوة، عندما تم تكريم مسيرته الطويلة بحفل غير عادي في السعودية جمع ثلة من النجوم لأداء أغنياته، حيث اتبعت الوزارة الحكمة القائلة "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدًا"، وأعلنت وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني، منح الموسيقار هاني شنودة، جائزة الدولة التقديرية في الفنون.

 

لم يتذمر الموسيقار هاني شنودة، أبدًا من عدم تقديره، بل يظهر دائمًا وطنية وانتماء ويدين بالفضل لمصر في كل ما بلغه من نجومية، لكن ربما قرأت له قبل سنوات، أمنية أن تكرم وزارة الثقافة فرقة المصريين ممثلة في الأحياء من أعضائها ومن ينوب عن من توفاهم الله، من مغنين وموسيقيين وشعراء ومنتجين شاركوا في أعمالها وألبوماتها.. 

 

باعتبار أن الفرقة أول من أدخل العمل الجماعي في الأغنية المصرية، وأحدثت تغييرًا نوعيًا في مسارها، أسوة بالتكريم البريطاني الكبير لفرقة البيتلز اعترافًا بدورها في تغيير مسار الأغنية الأوروبية، وان مثل هذا التكريم يحث الشباب على العمل الجماعي الجاد والإخلاص والمثابرة.

 

تجلى تسامح وأصالة الموسيقار هاني شنودة، في رده على انتقاد الجمهور للحكومة ممثلة في وزارة الثقافة لتقاعسها عن تكريمه المستحق، وحسم هاني  شنودة الجدل المثار قائلًا: "بقالي 60 سنة بلدي بتكرمني، وتكريمي من بلد شقيق مش معناه أبدًا ان بلدي هضمت حقي.. 

 

كرمتني بلدي عندما كانت أشرطة فرقة المصريين تختفي من الأسواق بعد ساعات من صدورها نتيجة الإقبال عليها.. كرمتني بلدي عندما اختارتني سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة لأكون من أوائل الملحنين المصريين وأؤلف لها موسيقى فيلم لا عزاء للسيدات، في فترة انتقال السينما المصرية من الاعتماد على الموسيقى العالمية إلى الملحنين المصريين.. 

 

كرمتني بلدي عندما تم اختياري لأكون أول مؤلف موسيقي لفيلم المشبوه للفنان عادل إمام، وفيه انتقل من أفلام الكوميديا إلى الحركة، وكرمتني بلدي بكوني الوحيد، الذي ألف موسيقى 12 فيلمًا للفنان عادل إمام مازالت في ذاكرة المصريين".

 

وعند إعلان منحه جائزة الدولة التقديرية، أبدى الموسيقار الكبير شنودة، سعادته البالغة بالتكريم وتقدير فنه داخل بلده الغالية مصر، موجهًا التحية للشعب كله، مؤكدًا أن مصر هي التي صنعته، واعتبر الجائزة حافز كبير من أجل تقديم المزيد من الموسيقى التي تليق بجمهوره، وتضيف إلى تاريخه.

 


الغصة التي شعر بها الشعب المصري، عند تكريم الموسيقار الأصيل هاني شنودة في الخارج وتجاهله في بلده، تتكرر تجاه كثير من عظماء مصر ونجومها الخالدة، فعلى وزارة الثقافة أن تعي الدرس وتتدارك التجاهل وتسرع بتكريم الرموز وأصحاب العطاء والتاريخ من الأحياء ومن ينوب عن الراحلين منهم.

الجريدة الرسمية