رئيس التحرير
عصام كامل

بردة‭ ‬البوصيري..‭ ‬800‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬النبي.. سطرت‭ ‬أبياتها‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المساجد‭ ‬والمنازل‭ ‬تبركا‭ ‬بها

قصيدة‭ ‬البردة
قصيدة‭ ‬"البردة"

مع‭ ‬‬الاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوي‭ ‬تقفز‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬قصيدة‭ ‬"البردة"‭ ‬للإمام‭ ‬البوصيري؛‭ ‬باعتبارها‭ ‬أيقونة‭ ‬المدح‭ ‬النبوي‭ ‬والكنز‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬ينفد،‭ ‬بما‭ ‬تتضمنته‭ ‬أبياتها‭ ‬من‭ ‬أعاجيب‭ ‬المدح‭ ‬وعظيم‭ ‬الوصف‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم صلى الله عليه وسلم‭. ‬

هامَ‭ ‬فى‭ ‬"البردة"‭ ‬أهل‭  ‬التصوف؛‭ ‬فشرحوها،‭ ‬وشَطَّروها،‭ ‬وخمَّسوها‭ ‬وسَبَّعوها،‭ ‬وعارَضوها،‭ ‬ونَظَموا‭ ‬على‭ ‬نَهْجِها،‭ ‬حتى‭ ‬بلغتْ‭ ‬شُروحُها‭ ‬والكتُب‭ ‬التى‭ ‬تَكلَّمت‭ ‬عنها‭ ‬العَشَرات.

 ‬ولم‭ ‬تَقتصرْ‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬جاءتْ‭ ‬بلغات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وغَلَوْا‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬جعل‭ ‬بعضُهم‭ ‬لأبياتِها‭ ‬بركة‭ ‬خاصةً،‭ ‬وشفاءً‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬بل‭ ‬مِن‭ ‬كَتَبةِ‭ ‬الأحجبةِ‭ ‬والتَّمائم‭ ‬مَن‭ ‬يَستخدم‭ ‬لكلِّ‭ ‬مرضٍ‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭ ‬بيتًا‭ ‬خاصًّا؛‭ ‬فبيتٌ‭ ‬لمرَض‭ ‬الصرع،‭ ‬وآخر‭ ‬للحِفظ‭ ‬من‭ ‬الحريق،‭ ‬وثالث‭ ‬للتوفيق‭ ‬بين‭ ‬الزَّوْجين‭ ‬وهكذا‭! ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬البُردة‭- ‬وما‭ ‬تزالُ‭- ‬عند‭ ‬بعضِ‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الأوراد‭ ‬التى‭ ‬تُقرأ‭ ‬فى‭ ‬الصَّباح‭ ‬والمساءِ‭ ‬فى‭ ‬هَيبةٍ‭ ‬وخشوع،‭ ‬وأبياتُها‭ ‬تُستعمل‭ ‬إلى‭ ‬اليومِ‭ ‬فى‭ ‬الرُّقَى،‭ ‬وتُتلَى‭ ‬عند‭ ‬الدفن،‭ ‬وقد‭ ‬وضَعوا‭ ‬لها‭ ‬شُروطًا‭ ‬عند‭ ‬قراءتها،‭ ‬كالوضوءِ‭ ‬واستقبالِ‭ ‬القِبلة‭ ‬وغيرِ‭ ‬ذلك‭، ‬كما‭ ‬عارض‭ ‬البردة‭ ‬شعراء‭ ‬كثيرون‭ ‬أبرزهم:‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي،‭ ‬كما‭ ‬تغنى‭ ‬بها‭ ‬منشدون‭ ‬ومطربون‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وخارجها،‭ ‬وحققوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الشهرة‭ ‬والانتشار‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٨‬‭ ‬قرون‭ ‬متصلة‭..‬ وهو‭ ‬ما‭ ‬نلقى‭ ‬عليه‭ ‬الضوء‭ ‬فى‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭.‬

 

حكاية البردة

كان‭ ‬البوصيرى‭ ‬أول‭ ‬مَن‭ ‬ابتكر‭ ‬فن‭ ‬المدائح‭ ‬النبوية،‭ ‬فزاد‭ ‬فيه‭ ‬وأطال،‭ ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير‭ ‬سبق‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيري‭ ‬فى‭ ‬مدح‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬لكن‭ ‬قصيدة‭ ‬البردة‭ ‬للبوصيرى‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬قصائد‭ ‬مدح‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬التى‭ ‬رددها،‭ ‬بل‭ ‬عشقها‭ ‬وتغنى‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬والعامة،‭ ‬ورددها‭ ‬المحبون‭ ‬فى‭ ‬مجالس‭ ‬ذكرهم‭.‬

‮«‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬الكونين‭ ‬والثقلين‭ ‬والفريقين‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬ومن‭ ‬عجمِ‭ // ‬نبينا‭ ‬الآمر‭ ‬الناهي‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬أبر‭ ‬فى‭ ‬قولِ‭ ‬لا‭ ‬منه‭ ‬ولا‭ ‬نعم‭ //‬هو‭ ‬الحبيب‭ ‬الذى‭ ‬تُرجى‭ ‬شفاعته‭ ‬لكل‭ ‬هولٍ‭ ‬من‭ ‬الأهوال‭ ‬مقتحم‮»‬‭ ‬كلمات‭ ‬تطرب‭ ‬الآذان،‭ ‬سُطرت‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬العمائر‭ ‬القديمة‭ ‬ونقشوها‭ ‬على‭ ‬المجلدات‭ ‬فطهرت‭ ‬النفوس،‭ ‬وازدانت‭ ‬جدران‭ ‬المساجد‭ ‬والبيوت‭ ‬بكتابات‭ ‬ونقوش‭ ‬تحوى‭ ‬أبياتا‭ ‬من‭ ‬البردة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬تقليدا‭ ‬متبعًا‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬الإسلامية‭.‬

عاش‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬المملوكى،‭ ‬أى‭ ‬بعد‭ ‬حوالى‭ ‬600‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام،‭ ‬وكتب‭ ‬قصيدته‭ ‬المشهورة ‭ ‬‮"البردة‮‬‭"‬ من‭ ‬باب‭ ‬المحاكاة‭ ‬لقصيدة‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير‭ ‬فى‭ ‬مدح‭ ‬رسول‭ ‬الله صلى الله عليه وسلم‭ ‬حيث‭ ‬يحكى‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬الجاهلى‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬سُلمى‭ ‬هجا‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬بعد‭ ‬فتح‭ ‬مكة،‭ ‬وعندما‭ ‬أسلم‭ ‬جاء‭ ‬تائبًا‭ ‬نادمًا،‭ ‬ونظم‭ ‬قصيدة‭ ‬يمدح‭ ‬فيها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وأعلن‭ ‬إسلامه،‭ ‬وقال‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬نظمها:‭ ‬‮‬بانت‭ ‬سعاد‭ ‬فقلبي‭ ‬اليوم‭ ‬متبول‭ ..‬متيم‭ ‬إثرها‭ ‬لم‭ ‬يفد‭ ‬مكبول‭ ** ‬وقد‭ ‬نبئت‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬أوعدنى‭..‬ والعفو‭ ‬عند‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬مأمول‮ ‬فعفا‭ ‬عنه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وخلع‭ ‬عليه‭ ‬بردته،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬عُرفت‭ ‬القصيدة‭ ‬بالبردة،‭ ‬بحسب‭ ‬كتاب‭ ‬‮‬"سيرة‭ ‬المماليك"‬ لجيهان‭ ‬مأمون‭. ‬

وُلد‭ ‬الشيخ‭ ‬الإمام‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬أبو‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬حماد‭ ‬الصنهاجى،‭ ‬واشتهر‭ ‬بالإمام‭ ‬البوصيرى،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬‮٦٠٨‬‭ ‬بإحدى‭ ‬قرى‭ ‬بنى‭ ‬سويف،‭ ‬وينتسب‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أبى‭ ‬صير‭ ‬لأمه،‭ ‬وكان‭ ‬البوصيرى‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭ ‬يتولى‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬الجبايات‭ ‬‮‬"الضرائب"‬ فى‭ ‬بلدة‭ ‬بلبيس،‭ ‬لكن‭ ‬عدم‭ ‬أمانة‭ ‬المشتغلين‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬الوظيفة‭ ‬جعلته‭ ‬يزهد‭ ‬فى‭ ‬الوظائف‭ ‬الحكومية،‭ ‬ويزهد‭ ‬متع‭ ‬الحياة،‭ ‬ويلجأ‭ ‬لحياة‭ ‬التصوف،‭ ‬وفر‭ ‬من‭ ‬بلبيس‭ ‬إلى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬حيث‭ ‬صحب‭ ‬أبا‭ ‬العباس‭ ‬المرسى‭.‬

 

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

كانت‭ ‬لقصيدة ‭ ‬‮"البردة"‬التى‭ ‬نظمها‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬حكاية‭ ‬غريبة،‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬أصيب‭ ‬بإعاقة‭ ‬فى‭ ‬جسده‭ ‬‮‬"الشلل‮"‭ ‬ففكَّر‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬قصيدة‭ ‬لمدح‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬مستعينًا‭ ‬بحبه‭ ‬لرسول‭ ‬الله صلى الله عليه وسلم‭ ‬فى‭ ‬طلبه‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬الشفاء‭ ‬من‭ ‬سقمه،‭ ‬لعل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يشفيه،‭ ‬فبدأ‭ ‬قصيدته‭ ‬فى‭ ‬حب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فلما‭ ‬أتمها‭ ‬رأى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فى‭ ‬منامه‭ ‬يمسح‭ ‬بيده‭ ‬الكريمة‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬منامه‭ ‬ويلف‭ ‬عليه‭ ‬بردته،‭ ‬أى‭ ‬عباءته،‭ ‬فقام‭ ‬من‭ ‬منامه‭ ‬معافى،‭ ‬وشفاه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬سقمه‭.‬

وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬قصيدة‭ ‬البوصيرى‭ ‬أيضًا‭ ‬بالبرأة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬ناظمها‭ ‬برئ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مرضه‭ ‬‮«‬الشلل‮»‬،‭ ‬وسميت‭ ‬أيضًا‭ ‬بـ"الكواكب‭ ‬الدرية‭ ‬فى‭ ‬مدح‭ ‬خير‭ ‬البرية‮".‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬أغرب،‭ ‬فبعد‭ ‬مرور‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬لقى‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬رجلًا‭ ‬فقيرًا‭ ‬فقال‭ ‬الرجل‭ ‬للبوصيرى: أين‭ ‬القصيدة‭ ‬التى‭ ‬مدحت‭ ‬بها‭ ‬النبى؟‮‬،‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭ ‬البوصيرى:‭" ‬‮‬أى‭ ‬قصيدة‭ ‬تريد؟‮"‬،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الرجل:‭ ‬‮‬التى‭ ‬مطلعها‭ ‬أمِنْ‭ ‬تذَكُّرِ‭ ‬جيرانٍ‭ ‬بذى‭ ‬سلمِ‭..‬ مزجتَ‭ ‬دمعًا‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬مقلة‭ ‬بدمِ.. ‬تعجب‭ ‬البوصيري‭!‬ وقال‭ ‬له‭:‬‮‬ كيف‭ ‬عرفت‭ ‬بها‭!‬ وأنا‭ ‬لم‭ ‬أنشدها‭ ‬للناس‭ ‬بعد؟‮‬،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الرجل‭ ‬الفقير: ‭‬‮‬رأيت‭ ‬النبي‭ ‬فى‭ ‬منامى‭ ‬وأخبرنى‭ ‬بها‮‬‭ ..‬من‭ ‬كتاب ‭ ‬‮«البردة‭ ‬للإمام‭ ‬البوصيري‮»‬‭ ‬إعداد‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬الباجورى‭.

وكانت‭ ‬بردة‭ ‬البوصيرى‭ ‬سببًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬فى‭ ‬ميلاد‭ ‬فن‭ ‬البديعيات‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬المملوكى،‭ ‬التى‭ ‬يلتزم‭ ‬فيها‭ ‬الشاعر‭ ‬بقافية‭ ‬بسيطة،‭ ‬وتشير‭ ‬المراجع‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬‮١٦٠‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬قُسمت‭ ‬إلى‭ ‬فصول‬ فى‭ ‬الغزل‭ ‬وشكوى‭ ‬الغرام‭ ‬‮١٢‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬والتحذير‭ ‬من‭ ‬هوى‭ ‬النفس‭ ‬‮١٦‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬مدح‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮٣٠‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬ومولده‭ ‬الشريف‭ ‬‮١٣‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬معجزاته‭ ‬‮١٦‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬فى‭ ‬شرف‭ ‬القرآن الكريم‭ ‬ومدحه‭ ‬‮١٧‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬إسرائه‭ ‬ومعراجه‭ ‬‮١٣‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬جهاد‭ ‬النبى‭ ‬‮٢٢‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬التوسل‭ ‬بالنبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮١٢‬‭ ‬بيتًا،‭ ‬وفى‭ ‬المناجاة‭ ‬وعرض‭ ‬الحاجات‭ ‬‮٩‬‭ ‬أبيات.‭

قال‭ ‬الشهاب‭ ‬بن‭ ‬حجر‭ ‬عن‭ ‬البردة:‭ ‬‮‬كان‭ ‬البوصيرى‭ ‬من‭ ‬عجائب‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬النظم‭ ‬والنثر،‭ ‬عمل‭ ‬بالكتابة‭ ‬والتأليف‭ ‬واشتهر‭ ‬بين‭ ‬شعراء‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الهجرى‭ ‬بشعره‭ ‬الصوفى‭ ‬فى‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومدائحه‭ ‬النبوية‭ ‬التى‭ ‬امتازت‭ ‬بالحس‭ ‬المرهف‭ ‬وقوة‭ ‬العاطفة‭ ‬وجمال‭ ‬التعبير‮‬،‭ ‬كما‭ ‬تأثر‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقى‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ ‬"نهج‭ ‬البردة"‭ ‬بالإمام‭ ‬البوصيرى‭.‬

وقال‭ ‬زكى‭ ‬مبارك‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮‬"المدائح‭ ‬النبوية"‮‬‭ ‬عن‭ ‬البردة‭ ‬‮:‬إن‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬لما‭ ‬أنشأ‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬رأى‭ ‬النبي صلى الله عليه وسلم‭ ‬فى‭ ‬المنام‭ ‬فأنشدها‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬قوله:‭ ‬‮‬"فمبلغ‭ ‬العلم‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬بشر‮‬‭ ‬ثم‭ ‬توقف"‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إكمال‭ ‬البيت،‭ ‬فأكمله‭ ‬له‭ ‬النبي صلى الله عليه وسلم،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬‮‬قل:‭ ‬"وأنه‭ ‬خير‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬كلهم"‭.

 

الشعراوي والبردة

يحكي‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬العطواني،‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬أنشد‭ ‬وتغنى‭ ‬بقصيدة‭ ‬البردة‭ ‬للإمام‭ ‬البوصيرى،‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬حواراته،‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬كان‭ ‬ينشد‭ ‬البردة‭ ‬بمسجد‭ ‬الحسين،‭ ‬وسمعه‭ ‬الشيخ‭ ‬الشعراوى،‭ ‬وأعجب‭ ‬به‭ ‬جدًّا،‭ ‬ودعاه‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬كى‭ ‬ينشد‭ ‬له‭ ‬القصيدة‭ ‬وسط‭ ‬ضيوفه،‭ ‬ودعاه‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬خصَّصه‭ ‬للبردة‭ ‬فى‭ ‬ساحته‭ ‬بجوار‭ ‬مسجد‭ ‬السيدة‭ ‬نفيسة،‭ ‬وكان‭ ‬يعلق‭ ‬على‭ ‬القصيدة‭ ‬ويشرح‭ ‬للحاضرين‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬معانيها،‭ ‬وأصبح‭ ‬ملازمًا‭ ‬له‭ ‬مدة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬وكان‭ ‬يأخذه‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬رحلات‭ ‬العمرة،‭ ‬وأنشأوا‭ ‬مجلسًا‭ ‬للبردة‭ ‬فى‭ ‬ضيافة‭ ‬د‭.‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬يمانى،‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬السعودى‭ ‬الأسبق،‭ ‬وبعض‭ ‬الأمراء.

وذات‭ ‬يوم‭ ‬أصاب‭ ‬الشيخ‭ ‬الشعراوى‭ ‬وعكة‭ ‬صحية‭ ‬بالأراضى‭ ‬الحجازية،‭ ‬ودخل‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬فذهبت‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليه،‭ ‬فقال‭ ‬العطوانى: ‬‮‬عندما‭ ‬رآنى‭ ‬خلع‭ ‬خراطيم‭ ‬الأكسجين‭ ‬من‭ ‬فمه،‭ ‬وقال‭ ‬لى: ‬تعال‭ ‬يا‭ ‬عطوانى‭ ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬البارحة‭ ‬فى‭ ‬منامى‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيرى‭ ‬يقبلك‭ ‬فى‭ ‬جبهتك‮‬‭.‬

وحكى‭ ‬نجل‭ ‬خالد‭ ‬محمد‭ ‬خالد‭ ‬واقعة‭ ‬لوالده‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬الحميم‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الغزالى،‭ ‬حين‭ ‬هاتفه‭ ‬الغزالى‭ ‬ليطمئن‭ ‬على‭ ‬صحته،‭ ‬ثم‭ ‬نصحه‭ ‬بقراءة‭ ‬بردة‭ ‬البوصيرى‭ ‬فإنه‭ ‬يُستشفَى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭.‬

‮"‬نعم‭ ‬سرى‭ ‬طيف‭ ‬من‭ ‬أهوى‭ ‬فأرقنى‭..‬ والحب‭ ‬يعترض‭ ‬اللذات‭ ‬بالألم"،‮‬‭ ‬وحكى‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬عمر‭ ‬هاشم‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬قصيدته‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬البردة‭ ‬بعدما‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬أثناء‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬قبر‭ ‬الرسول صلى الله عليه وسلم:‭ ‬‮‬ستكتب‭ ‬نهجا‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬القبول‭ ‬للبردة‬،‭ ‬وعندما‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬أقسم‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬بالله ‬‮«‬أن‭ ‬الرسول‭ ‬جاءه‭ ‬فى‭ ‬المنام‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬إنك‭ ‬ستكتب‭ ‬نهجا‭ ‬لبردة‭ ‬البوصيري‮»‬،‭ ‬ليكتب‭ ‬نهج‭ ‬البردة‭ ‬فى‭ ‬الطائرة‭ ‬أثناء‭ ‬رحلة‭ ‬حجِّه،‭ ‬وعندما‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬أخبروه‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬ضيافة‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين،‭ ‬فقال:‭ ‬‮‬"أدركت‭ ‬أنها‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬بدأته‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬نهج‭ ‬البردة"‮‬‭.‬

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية