رئيس التحرير
عصام كامل

الإنسان هو من يصنع السعادة!

التفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله، فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل.. وهو صفة لازمة لأي شخصية ناجحة.. فهو يزرع الأمل الذي نحتاجه في أيامنا الصعبة هذه بسبب ما وقع من أزمات دولية وإقليمية متعاقبة وما تبعها من تداعيات محلية، والتفاؤل يعمق الثقة بالنفس، ويحفز على النشاط والعمل والتحدي، وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق النجاح.

النفوس المتفائلة متصالحة مع نفسها  تمضي نحو مرادها بثبات ويقين وهدوء وسكينة، فالمتفائل ينتظر الفرج قبل النظر إلى المصيبة، ويعلم أن اليسر في طي العسر، وأن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا.. وتراه دائما يغلب الأمل على اليأس، والتفاؤل على التشاؤم، والرجاء على القنوط، ويرى قرب الفرج كقرب ضوء النهار آخر الليل.

كل إنسان بيده أن يصنع السعادة لنفسه ولغيره بابتسامة صافية وكلمة طيبة شافية وحسن ظن في الحاضر وتوقع الخير في المستقبل وتجديد الإيمان بالقضاء والقدر مع قلب قانع بالعطاء راضٍ بالقضاء منسجم ومتجاوب مع سنن رب الأرض والسماء.. كل ذلك يجعل النفس متفائلة برحمته، مطمئنة إلى قدره، راضية بقضائه وعطائه فلا يرى في الحياة إلا كل خير، ويعمل للخير.

حسن الظن بالله

تفائل لترى الوجود جميلًا.. أو كن جميلًا ترى الجود جميلًا كما قال الشاعر إيليا أبو ماضي؛ فإن جمال الحياة لا يراه إلا المتفائلون؛ فالحياة من دون تفاؤل كلوحة دون ألوان وروض بغير زهور.. فغيّر نظرتك إليها أيها الإنسان لتجعل حاضرك واحة من السعادة واجعل من مستقبلك حديقة من الأمل ومن ماضيك بئرًا للنسيان ومخزنًا للتجارب.
تفاءل فإن ربك الله من أسمائه الوهاب الرزاق الفتاح العليم الغفار التواب العفو الرءوف الرحيم، ومن أسمائه أيضًا الحكم العدل اللطيف الخبير الشكور الودود الولي الحميد الحسيب الرقيب القريب المجيب.

تفائل فإن من صفات ربك أن يسبغ النعم ويرفع النقم ويزيل الهم ويكشف الغم ويريح القلب ويسمع النداء ويجيب الدعاء وهو سبحانه  أعدل من حكم وَأَنْصَرُ مَنِ ابْتُغِيَ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى، إن مسنا الضر أو ضاقت بنا السبل وأعيتنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل. الله طب قلوبنا وهو سبحانه يحنو على آلامنا.. قولوا لمن يشكو الأسى للناس.. قُولوا لِمَن يَشْكو الأسَى للناسِ: لا.. تَشْكُ الأسَى إلا لِرَبِّ الناسِ. 

إن أعظم صفات المتفائلين هو حسن ظنهم برب العالمين، فمن أحسن ظنه بربه نال أعلى درجات التفاؤل، ووفقه الله لكل خير، وألهمه الحكمة، وكما قال الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي)، تفاءل فإن نبيك كان سيد المتفائلين: بل كان المعلم الأول لغرس الأمل في النفوس ولو في أشد الأزمات، كان متفائلا في أمره كله، في ترحاله وحله، وفي حربه وسلمه.

في الهجرة يحاصره المشركون في الغار فيقول لأبي بكر: {لا تحزن إن الله معنا}، [ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟]
كان يتفاءل بالكلمة الطيبة والاسم الحسن والهيئة الحسنة ويقول: [ويعجبني الفأل] حتى في المرض يتفاءل، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم تمضي بين الصبر والشكر.

تمضي حياة الإنسان- أي إنسان- بين عسر ويسر؛ فالدهر يومان؛ يوم لك ويوم عليك.. يوم حلو ويوم مرٌّ؛ بين شدة ورخاء، تارة يكون مرتاحًا هاديء البال مطمئنًا، وتارة تمر عليه أيام وليالٍ عسيرة تجعله متوترًا هائمًا في غياهب الحزن والأسى، وما ذلك إلا لعلة وجود الإنسان في الحياة وهي الابتلاء لا السعادة ولا الرخاء وهنا يسأل سائل: كيف نعيش التفاؤل والأمل بينما ظروف الحياة كما ترى قاسية والجواب: ألا بذكر الله تطمئن القلوب وتسعد.

أما البعد عنه فهو الشقاء بعينه يقول تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا".. وقد اقتضت حكمة الله أن تكون الدنيا دار ابتلاء وعمل والأخرة حساب بلا عمل يقول تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ" أي تعب ومشقة.. لكن الله لن يترك عباده هكذا دون حل يساعدهم في تخطي هذه الابتلاءات والأيام العسيرة والظروف القاسية التي يكابدونها وإنما يثبتهم ويرزقهم القوة والقدرة على التحمل واليقين والصبر والإيمان.. وهي أمور من شأنها أن تورث الأمل والتفاؤل فيما هو قادم ويقين بأن كل ما يحصل فيه خير..

الجريدة الرسمية