رئيس التحرير
عصام كامل

استهداف الكاظمي رسالة إيرانية ملغومة

خلطت إيران الأوراق في الدول التي تسيطر عليها، لتعزيز موقفها والضغط بها على الولايات المتحدة في مفاوضات النووي المنتظرة، وحتى يتم رفع العقوبات الاقتصادية عنها، بعدما تضرر منها غالبية الشعب وبات نحو 40 مليون إيراني في حاجة إلى دعم مالي عاجل.

تتمسك إيران بمكتسباتها وتواجدها في سوريا وترفض المغادرة، وأشعلت الساحة اليمنية عن طريق ميليشيا الحوثي، فزاد الهجوم بالصواريخ والمسيرات على السعودية، رافضا فكرة التفاوض لإنهاء الحرب، كما تسببت في أزمة خليجية لبنانية بمعرفة "حزب الله" المسيطر على القرار اللبناني بأكمله، ونتيجة لهذا النهج تعثرت مفاوضات استئناف العلاقات مع السعودية، وزادت الفوضى في المنطقة مع محاولة اغتيال رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، التي تحمل رسائل عدة للداخل العراقي والخارج كذلك.

 

 

يعرف الجميع أن إيران وافقت على تعيين مصطفى الكاظمي رئيسًا للمخابرات ثم رئيسًا للحكومة بعد فشل أسماء عدة في تحقيق استقرار العراق، ورغم أن الكاظمي شيعيًا، لكنه لم يكن أداة طيعة في يد إيران مثل من سبقه، بل نجح في فرض توازن في علاقة العراق مع إيران والدول العربية، وسعى لمصالحة السعودية ومصر مع إيران، وتمكن من فرض استقرار نسبي في بلاد الرافدين بدعمه الجيش الوطني وأجهزة الأمن الرسمية وإعادة الثقة إليها، فنال تأييد كثير من دول العالم.

 

هزيمة الميليشيات الإيرانية

 

 أنجز مصطفى الكاظمي، ملفات عراقية عدة كان آخرها الانتخابات التشريعية، التي أكدت نتائجها توجه الشعب في رفض السيطرة الإيرانية، فحجب أصواته عن مرشحي ميليشياتها التي منيت بهزيمة غير مسبوقة، تظاهرت الميليشيات الإيرانية في العراق رفضا لهزيمتها البرلمانية، ومع قبول الطعون وإعادة فرز الأصوات ثانية، أثبت الفرز اليدوي دقة النتائج الأولى وتأكدت هزيمة إيران وميليشياتها، وهذا هو ما سعى له الشعب حين تظاهر قبل عامين في جميع المدن هاتفًا "إيران بره بره بغداد حرة حرة".

 

منح الشعب كتلة مقتدى الصدر، الأغلبية البرلمانية، لعلمه أن مقتدى الصدر ليس على وفاق تام مع إيران رغم كونه شيعيًا، لكنه لم ينس أن إيران أغلقت مكتب والده محمد صادق الصدر، وتخلت عنه قبيل اغتياله في عهد صدام حسين، ثم تعمدت تفتيت التيار الشيعي إلى أحزاب وكتائب عدة، لذا رفض مقتدى الصدر دعوة الولي الفقيه علي خامنئي، لزيارة إيران بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية، وقال انه لن يزورها إلا بعد تأليف الحكومة الجديدة، لإدراكه أن إيران مستاءة من تقاربه وتحالفه مع مصطفى الكاظمي وتخشى عودته لرئاسة الحكومة، وكذلك مع الكتلة السنية التي عززت مكاسبها البرلمانية، وهي تريد فرض تركيبة حكومية موالية لها.

 

خلال تظاهر المليشيات الإيرانية بعد الهزيمة الانتخابية، هدد قادتها مصطفى الكاظمي وأجهزة الدولة بأنهم سيدفعون ثمن النتائج البرلمانية، وبعدها تم استهداف منزل الكاظمي بمسيرات مفخخة من منطقة قريبة ومعروفة لأجهزة الأمن، وتمكن الجيش من إسقاط إثنين منها وسببت الثالثة أضرارا في المنزل، ونجا الكاظمي وأسرته من الاغتيال بأعجوبة.

 

محاولة إغتيال الكاظمي

 

أدان العالم محاولة إغتيال مصطفى الكاظمي، لكن قادة الميليشيات اعتبروا ما حدث مسرحية من الكاظمي، وان سفارة الولايات المتحدة القريبة من منزله بإمكانها رصد أي هجوم، لكنهم نسوا أن السفارة ذاتها تعرضت لهجوم صاروخي من قبل، ولم تتمكن من رصد أي هجوم طال مناطق عراقية عدة، ثم ان الصواريخ والمسيرات الإيرانية الصنع موجودة حصرا لدى الميليشيات التابعة لها.

 

أرادت إيران اغتيال الكاظمي، وإدخال العراق في الفوضى، لكنه نجا وأصبح بطلا والتف حوله الشعب بعد أن كان منقسما حياله، وأدرك أن إيران تؤيد الديمقراطية إن أسفرت عن فوز الموالين لها لكي تزيد سيطرتها على البرلمان والبلد، لكن إن لم تعجبها نتائج الاقتراع، فالاغتيال جاهز لمن يخالفها.

 

رسالة إيران

 

في كلمته الأولى بعد محاولة الاغتيال، قال مصطفى الكاظمي أنه "يعرف من قام بالهجوم ومن وراء الرسالة الملغومة"، ومع اتهام جهات عدة ميليشيا إيران بما حدث، سارع إسماعيل قاني قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، بزيارة بغداد لتهنئة الكاظمي بنجاته، وإدانة إيران لما حدث ونفي التهمة عنها وإنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، وسعى لمعرفة من يقف وراء الهجوم، فاعتذر الكاظمي مؤكدا "إعلان التفاصيل كاملة مع الأدلة بعد انتهاء التحقيق"، خصوصا أنه ورئيس الجمهورية برهم صالح، يعرفان أن محاولة الاغتيال رسالة للجميع بما فيهم مقتدى الصدر، بأن أي محاولة لتعيين قيادات لا ترضى عنها إيران، ستكون نتيجتها الاغتيال، وأن الجميع في مرمى السلاح الإيراني، إن حاول الإفلات من سيطرة الملالي.

لجوء إيران إلى العنف والاغتيال دلالة إفلاس مشروعها المذهبي التوسعي، ومؤكد أن ما حدث في العراق سيكون له ارتداد سلبي في لبنان وسورية واليمن، وعلى الدول العربية استغلال ما حدث لإعادة العراق إلى النسيج العربي وتخليصه من الهيمنة الفارسية.

الجريدة الرسمية