رئيس التحرير
عصام كامل

إقتفاء أثر قندهار

غريب أمر كثير من البلدان العربية، إذ ثبت أن ضعف الذاكرة سمة عامة، الغالبية تهلل وتبارك انتصار طالبان واستيلاءها على حكم أفغانستان، فإذا كان الإخوان وبقية التيارات الإسلامية سعداء بعودة طالبان إلى الحكم، فلا يصح أن تنسى الشعوب أنها حركة إرهابية بالأساس وأنها لم تخض حربًا، بل تسلمت المدن الأفغانية دون مقاومة أو مواجهة عسكرية، بناء على اتفاق بين طالبان الولايات المتحدة رعته الدوحة لإعادة طالبان إلى الحكم، وهذا سيكون لنا عودة إليه.

ما أن رجحت كفة طالبان وبدأت سيطرتها على المدن الأفغانية، حتى علت أصوات المتشددين وسعت التيارات الدينية العربية لفرض شروطها ورؤيتها، باعتبار أن أحد أقطابها اقترب من سدة الحكم وهذا أمر مبشر يتبعه حتما حراك آخر أو تمدد الإرهاب لاستعادة الجماعات الإسلامية نفوذها الذي فقدته في عهد الرئيس ترامب، وحان وقت تمتعها بالسلطة في عهد بايدن والحزب الديمقراطي.

 

أدرك نواب برلمان الكويت المنتمين للتيارات الإسلامية أن طالبان قادمة للحكم لا محالة وستعلن أفغانستان إمارة إسلامية، فسعوا لاقتفاء أثرها، وبدأوا الإملاءات على الحكومة، واعتبروا أن الأوبرا من دور اللهو وطلبوا تحويل مبناها المفتتح منذ 3 سنوات فقط إلى سوق مالي، ثم زاد الإملاء مع اقتراب طالبان من العاصمة، حيث استغل بعض النواب تنظيم مركز صحي نسائي دورة رقص شرقي لمشتركات النادي، للضغط على وزير التجارة، علما أن جميع العاملات فيه نساء وكذلك المشتركات.

اعتداء على الحريات

وصلت معلومة دورة الرقص النسائية إلى أحد نواب التيار الإسلامي، فأبلغ وزير التجارة د.عبدالله السلمان بأن الرقص مخالف للقيم ويجب منعه قبل المساءلة في البرلمان، وأنه وجماعته "كانوا وسيظلون حجر عثرة أمام من يريد جرف المجتمع عن دينه وعاداته وتقاليده". كما دخل على الخط نائب إسلامي سابق واعتبر "دورة الرقص أمر غريب ودخيل على المجتمع المحافظ، ومخالفة للشريعة وثقافة المجتمع ويجب إلغاء الدورة فورًا".

خشي الوزير عبدالله السلمان المساءلة البرلمانية، وأمر بتشميع المركز الصحي والتحقيق مع أصحابه، ليس لأن الرقص ممنوع، بل لأن الترخيص لا يتضمن تنظيم دورات أيا كان نوعها، وأن "الوزارة تمنح تراخيص لتأسيس نوادٍ أو معاهد صحية، مع السماح لها بإقامة الأنشطة والتمارين الرياضية بجميع أنواعها، شريطة عدم الإخلال بالاشتراطات العامة والقوانين مرعية الإجراء وليس من بينها الرقص"!.

 

قامت الدنيا على الوزير، لأن ما حدث اعتداء على الحريات وليس هناك ما يمنع تنظيم دورات الرقص، خصوصا أن النوادي والمراكز الصحية النسائية يُمنع الرجال من دخولها، والوزير يعرف أن الرقص غير ممنوع، فأغلق النادي بدعوى مخالفة الترخيص. الغريب أن غالبية النوادي وحتى الفنادق تنظم دورات لجميع أنواع الرقص خليجي وشرقي وغربي ولاتيني، وغيرها على مدار العام دون اعتراض، باعتبارها جزء من الرياضة والصحة الجسدية، لكن وزير التجارة خاف المساءلة وانصاع للتهديد النيابي وأغلق المركز الصحي.

الكويت ليست قندهار

الغاضبون من خضوع الوزير لتهديد نواب التيار الإسلامي، ذكروه بأن الكويت ليست قندهار معقل حركة طالبان، بل هي طول عمرها لؤلؤة الخليج ومركز الإشعاع الفني والثقافي فيه، ومن عشرات السنين وهي تحفل بالرقص والموسيقى والغناء والمهرجانات، كما أن طول عمر نساء ورجال الكويت وبناتها وشبابها يرقصون على الموسيقى والطرب والدفوف وحتى في سهراتهم الخاصة، ونظرة على الأغنيات وبرامج التلفزيون القديمة والأعمال الفنية منذ بداية البث التلفزيوني مطلع الستينات تبثت أن الرقص بألونه المتعددة جزء لا يتجزأ من ثقافة وترفيه المجتمع وراسخ في الأذهان سواء كان فرديا أو جماعيا، فالأمهات والآباء والأبناء والبنات رقصوا في المناسبات العامة والخاصة ولا عيب في ذلك، لأنه نوع من التعبير عن السعادة والفرح وتطور ليصبح نشاطًا بدنيًا مفيدًا للصحة.

 

مع دخول حركة طالبان العاصمة كابول، أعربت المخرجة الأفغانية صحراء كريمي، عن مأساوية الوضع في بلدها وارتفاع منسوب التشدد الديني الذي سينتقل حتما من أفغانستان إلى كثير من بقاع العالم، وقالت "انه آخر يوم تخرج فيه المرأة الأفغانية كاشفة وجهها وشعرها دون حجاب كامل، بعد سيطرة طالبان على المدن ودخولها كابول وتوليها الحكم مرة ثانية". 

 

انتهز التيار الأصولي في الكويت، إعلان طالبان الإمارة الإسلامية في أفغانستان، واعترضوا فورًا على وجود تمثال لفينوس "إلهة الحب والجمال عند الرومان" في أحد محال الملبوسات في مجمع تجاري شهير، وهددوا وزير التجارة بالمساءلة ثانية، فأرسل فريق الرقابة والتفتيش بالوزارة لإزالة التمثال الجميل، وهو كان "جزء من حملة ترويج لمجموعة جديدة من الملابس النسائية". إستقبل التيار الإسلامي إزالة التمثال من المجمع بترحاب شاكرا الوزارة، لأن "التقليد الأعمى والجشعٍ التجاري لا يفرق بين الحلال والحرام".

 

اكتفى الوزير بأنه أمن شر المساءلة البرلمانية، ولم يرد على مهاجميه، خصوصا من طالبوه "بإظهار القوة والسرعة ذاتهما مع المتخصصين في الفساد والرشوة والتعدي على المال العام، والفشل في إنجاز مشاريع الدول والتنمية، والتجاوز على حقوق الناس".

طالبان والمجتمع الدولي

 

حاولت طالبان إظهار الود للمجتمع الدولي، وانها تعفو عن الجميع، صحيح أنها ستطبق أحكام الشريعة، لكنها لن تمنع تعليم وعمل النساء مثلما حصل في سنوات حكمها السابقة، بل ستسمح لها بالعمل والتعليم مع الإلتزام بالحجاب وتعاليم الإسلام. ومن بين ما أعلنت أنها ستمنع الحفلات والغناء لتعارضها مع الإسلام، وان حرية التعبير سيكون عليها قيود.

طالبان ستزيد التشدد بعد تمكنها من الحكم، لأن قانون الدولة الإسلامية ربما يعتمد الطريقة "الديوبندية"، نسبة لقرية ديوبند الهندية، التي يلتزم الطالبانيون بفكرها السلفي، ومؤكد أن المناصب القيادية سيتولاها علماء ورجال الدين، أو الملتزمين بفكر طالبان وعلينا تصور ما سيكون عليه حال البلد، وهو ما أوجزه مندوب أفغانستان لدى الأمم المتحدة، غلام إيزاكزاي، بقوله إن بلاده "تواجه مصيرا مجهولا، وأخشى من حرب أهلية، فحركة طالبان تنهب كابول والسكان خائفون، لأن عناصر الحركة المسلحة يفتشون منازل العاصمة".

الجريدة الرسمية