رئيس التحرير
عصام كامل

جعجعة إيرانية تنم عن المأزق

يجب على العالم الاعتراف بفضل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في تعطيل الزحف الإيراني، ووأد مخططه التوسعي وتصدير الثورة بالتمدد الشيعي في الدول العربية، بعد أن شل ترامب تحركات الملالي بقتل الإرهابي الأكبر قاسم سليماني، ورغم تعيين قائد بديل له منذ عام كامل لم تقم قائمة للمليشيات التابعة لإيران، وتقلصت عملياتها الإرهابية بل منيت بخسائر فادحة نتيجة الضربات التي تنفذها إسرائيل في المدن الإيرانية وسورية والعراق وغيرها فضلا عن تعطيل شبه كامل للاقتصاد الإيراني بعقوبات غير مسبوقة، جعلت الولي الفقيه وحكومة إيران يعترفان للمرة الأولى بتأثير مدمر لعقوبات ترامب، ويعدون الأيام لانتهاء رئاسته، وتولي الديمقراطي جو بايدن حتى يلتقط البلد أنفاسه ويستعيد توازنه.


خسائر إيران الفادحة لم تمنع عنجهية نظام الملالي، الذي ظل يتوعد بالثأر المزلزل ممن أمر ونفذ قتل سليماني، قاصدا الرئيس ترامب دون ذكر اسمه، لكن ظلت تهديداته في الفضاء الإلكتروني عبر تغريدات "تويتر" وأمام كاميرات التلفزة، وعندما أراد التنفيذ ضرب بغداد التي تسيطر عليها ميليشيا "الحشد" الموالية له أو محاولة مليشيا الحوثي اليمني قصف مواقع سعودية، وبخلاف ذلك يستجدي الملالي استئناف التفاوض ورفع العقوبات بشرط العودة إلى اتفاق أوباما النووي الذي انسحب منه الرئيس ترامب.

جعجعة نظام الملالي وتناقضاته لخطب ود الإدارة الأميركية الجديدة حتى ترفع العقوبات، وتعود إلى اتفاق أوباما، حذَّر منها وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، وقال "على إدارة بايدن ألا تعود إلى روح الصفقة الإيرانية السابقة لأنها ستؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة".

تحول طموح لطاقة المستقبل

وانتقد هنرى كيسنجر اتفاق أوباما مع إيران العام 2015، الذي انسحب منه الرئيس ترامب، ويسعى الرئيس بايدن للعودة إليه إذا وافقت إيران ثانية على الامتثال لقيود الاتفاقية على برنامجها النووي، وقال "يجب ألا نخدع أنفسنا، العودة لصفقة إيران الأولى، مع وجود حد زمني وغيرها من البنود ستجلب الأسلحة النووية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وبالتالي خلق حالة من التوتر الكامن سينفجر عاجلاً أم آجلاً"، داعيا إلى مزيد من التشدد حيال الملالي.

ردت إيران بشكل غير مباشر على هنري كيسنجر، وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي، إن طهران لن تقبل أي شرط مسبق لرفع العقوبات عنها، وإذا أرادت واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي فعليها العودة إلى اتفاق أوباما الموقع في 2015، وإذا اكتفت واشنطن بإصدار بيان حول إلغاء العقوبات ستكتفي طهران ببيان حول العودة عن خفض الالتزامات النووية. كما نفى مكتب الرئيس الإيراني أن تكون طهران على تواصل مع إدارة بايدن، زاعما أن "السياسة الإيرانية ستكون الالتزام مقابل الالتزام، وتنفيذ الإجراءات مقابل تنفيذ الإجراءات والبيانات مقابل البيانات".

عجز النظام الإيراني عن مواجهة مشاكله الداخلية في ظل تفشي "كورونا" وتردي الأوضاع المعيشية والضغط الاقتصادي نتيجة العقوبات الأميركية، جعل الشارع الإيراني يتحرك مجددا مطالبا بتحسين المعيشة وإيجاد حلا لمسلسل النزف وخسائر البورصة، مرددا هتافات ضد قادة إيران، منها "الموت لروحاني"، "سرقتم أموالنا وتتباهون"، و"الويل للمفسد الاقتصادي".

انتهز رجل الدين عضو هيئة التدريس بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي أحمد جهان بزرغي، التظاهر ضد النظام، وأطل عبر التلفزيون الرسمي متهما الرئيس حسن روحاني بعدم المبالاة وقال "يجلس المسؤول في منزله بجانب الموقد متجاهلا ما يحصل في بلاده ولا یتواصل مع الوزراء"، ومصطلح الجلوس بجانب الموقد يستخدم في إيران للدلالة على متعاطي المخدرات.

وأمام الضجة التي أحدثها تصريح رجل الدين، قرر مكتب الرئيس روحاني، مقاضاة التلفزيون الحكومي بتهمة التشهير، وطالب "هيئة الإذاعة والتلفزيون بتقديم توضيح لسبب إهانة الرئيس"، بإعتبار أن رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون يعين ويعزل من قبل المرشد علي خامنئي ولا سلطة لرئيس الجمهورية عليه، فاضطر رئيس التلفزة للإعتذار رسميا للرئيس روحاني، عن اتهام رجل دين له بتعاطي المخدرات في لقاء مباشر.

حاولت إيران صرف النظر عما يحدث في الداخل، بتحقيق "شو في الخارج" بعد عجزها عن الثأر لمقتل سليماني رغم تهديداتها منذ عام كامل، فكان أن أعلنت أنها "سلمت الإنتربول طلباً رسمياً لاعتقال الرئيس دونالد ترامب وتسليمه لإيران، وعدد آخر من المسؤولين الأميركيين، بتهمة المشاركة في قتل قاسم سليماني، وان وزارة الأمن بالتعاون مع جهات أخرى، أعدت ملفاً يضم أكثر من 1000 صفحة عن القضية جاهز لعرضه أمام المحافل القانونية والدولية، ونأمل أن يسمع العالم صرخة مظلومية إيران".

فائزة رفسنجاني والإفك الإيراني

انتظر المرشد علي خامنئي، مغادرة الرئيس ترامب البيت الأبيض وانتهاء حكمه، ليهدد باغتياله رداً على مقتل قاسم سليماني ونشر مكتب خامنئي صورة الرئيس ترامب، وهو يلعب الغولف تستهدفه طائرة مسيرة وكتب عليها "يجب على قتلة قاسم سليماني أن يدفعون ثمن ارتكابهم الخطأ، على قتلة سليماني سواء من أمر ومن نفذ أن يعلمون جيداً بأنه سيتم الانتقام منهم في أي لحظة وأي وقت ممكن... الثأر حتمي".

وعلى الفور أوقف "تويتر"، الحساب الموازي لحساب المرشد خامنئي، وهي حسابات يشرف على إدارتها جميعا نجله مسعود خامنئي، وكلها توعدت بالإنتقام من ترامب أيضاً بعد مقتل سليماني بـ "انتقام سخت" أي الانتقام الصعب، وبعد مرور عام كامل لم تنفذ إيران شيئا من وعيدها، علما أن "تويتر" محجوب رسميا في إيران، رغم أن غالبية المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، والولي الفقيه خامنئي لديهم حسابات موثقة عليه.

نظام الملالي الذي يراهن على إدارة الحزب الديمقراطي للإنتقام من ترامب، تفاجأ برد وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن، الذي قال أنه لم يأسف على مقتل سليماني، وأنه يستحق هذه النهاية جزاء الدماء التي أراقها في بلدان كثيرة، كما استنكر تهديدات خامنئي للرئيس ترامب وتعهد بمزيد من الضغط على إيران. كذلك تعهد مجلس الأمن القومي الأميركي مواصلة "العمل مع الأصدقاء والشركاء للتصدي لنفوذ إيران الخبيث"، رافضا تهديدات مرشد إيران علي خامنئي بالثأر لمقتل قائد سليماني من الرئيس السابق ترامب، واصفا إياها بأنها استفزازية وغير مقبولة.

استفادة إيران من اغتيال سليماني

جعجعة إيران ارتدت عليها سلباً وأسرعت بمباحثات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شابات هاتفياً مع نظيره الأميركي جيك سوليفان، في ملفات إقليمية وعلى رأسها النووي الإيراني، ولائحة التعديلات التي تقترحها إسرائيل بشأن عودة التفاوض حولها، خصوصا أن رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، سيلتقي الشهر المقبل في واشنطن رئيس المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، والرئيس جو بايدن.

واستبقت صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية، زيارة يوسي كوهين بالإشارة إلى دراسة اقتراح لتجميد المحادثات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو المقبل، وتوجه "البيت الأبيض" لتعيين خبير الشرق الأوسط والمتخصص في حل النزاعات روبرت مالي، رئيسا للمفاوضات، وأبدت إسرائيل حماستها للترشيح لأن مالي، من أم يهودية أميركية وأب يهودي مصري، وكان عضوا في فريق الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ومسؤولا رفيعا في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وحاليا الرئيس التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن.

وهناك اقتراح أن تتخذ المفاوضات مسارين منفصلين مع إيران، أحدهما حول البرنامج النووي والآخر حول تطوير الصواريخ البالستية والتدخل الإيراني في الشرق الأوسط.

تراهن إيران على العودة إلى إتفاق أوباما، بينما على إدارة بايدن أن تبني على مكاسب حققها ترامب لأنه نجح في ردع إيران بلا حرب، وأن تعي أن القبول والتساهل إزاء استمرار الإرهاب الإيراني، والتنازل لها مثلما فعل أوباما ستتبعه تنازلات لدول أخرى مع ضربة للمصالح الأميركية في كثير من دول العالم.
إيران حاليا في مأزق كبير وعلى بايدن استغلاله وألا يلتفت لتصريحات وتهديدات الملالي في الفضاء الإلكتروني، لأنها لا تزيد عن جعجعة بلا طحين.
الجريدة الرسمية