رئيس التحرير
عصام كامل

البنّا وبريطانيا!


يكشف كتاب "التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين" لمؤلفه "مارك كورتيس" أنه في ١٨ مايو عام ١٩٤٢ عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعا مع "أمين عثمان" باشا رئيس وزراء مصر وقتها، لمناقشة العلاقة مع الإخوان. 


تم الاتفاق على عدد من النقاط هي أن تدفع الحكومة المصرية دعما سريا لجماعة الإخوان، وفى مقابل ذلك تحصل على بعض المساعدة المالية من السفارة الأمريكية، وأن تدخل الحكومة المصرية عملاء موثوقا بهم في صفوف الإخوان، لتراقب أنشطتهم عن كثب، وتقدم للسفارة البريطانية المعلومات التي يحصل عليها هؤلاء العملاء. 

كما تم الاتفاق على أنه ينبغي بذل الجهد لإثارة الانقسام في الجماعة باستغلال أي خلافات قد تحدث بين البنّا وشريكه "أحمد السكرى"، وأن يسمح للبنا بإصدار صحيفة، ونشر مقالات تؤيد الديمقراطية، ورغم أن الاجتماع ناقش أيضا تشكيل الجماعة مجموعات للتخريب والتجسس لحساب النازي.

إلا أن المجتمعين اتفقوا أن أفضل طريقة لمواجهة ذلك هو احتواء الجماعة، التي قدر البريطانيون وقتها عدد أعضائها بما يتراوح ما بين ١٠٠و ٢٠٠ ألف عضو، خاصة وأن البريطانيين كانوا يعتقدون بأن الشخصية البارزة الوحيدة في الجماعة هو "حسن البنّا"، وأن الجماعة يمكن أن تنهار بسهولة بدونه أو باختفائه. 

غير أن هذا التحليل كما يقول الكتاب قد جرت مراجعته في السنوات التالية عندما ساعدها البريطانيون وتعاونوا معها في مواجهة العداء المتنامي داخل مصر ضد الاستعمار والاحتلال البريطاني.. أي إن إستراتيجية البريطانيين تغيرت تجاه جماعة الإخوان مما أسماه المؤلف (القتل بالاحتواء والاختراق وتقديم الدعم لها) إلى الاستفادة منها وتوظيفها لتحقيق ما يريدونه، وهو التصدى للقوى الوطنية داخل مصر، التي كانت تطالب بإلحاح بالاستقلال وإنهاء الاحتلال الإنجليزي..

وذلك رغم الإدراك بأنها منظمة متطرفة وخطيرة.. لكن هكذا تعامل البريطانيون مع كل الحركات والجماعات والتنظيمات المتطرفة.. تواطؤ مستمر على مدى عقود طويلة.
الجريدة الرسمية