نبينا ونبيهم (5)
أستميحُ المتخصصين، وأهلَ العلمِ عُذرًا.. فأنا لا أقتحمُ دارهم، ولا أدَّعي ما ليس لي، ولا أزعمُ أنني عالمٌ، ومفكرٌ، ومن ذوي المعرفة الواسعةِ بالسيرة النبوية، والتفسير، والشريعة الإسلامية.. إنْ أنا إلا مجتهدٌ، أحاولُ التفكيرَ، وإطلاقَ العنانِ للخيال لأسرح في حب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ومنْ منا لا يحبه؟! حتى لو زعمنا ذلك ولم نكُ صادقين، فما هو إلا شرف المحاولة، محاولة رسم الصورة الصحيحة للمَعصوم، صلوات ربي وتسليماته عليه، وآله.
ثمَّ تفاوتٌ هائلٌ بين ما يحاول المتطرفون تصديرَه إلى ذهنية سائر المسلمين، وللأسف الشديد فكثيرون، من مسلمي هذا الزمان وغيرهم، يصدِّقون أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، محبٌ لسفكِ الدماء والعنفِ والأخذ بالشدة، وإلا فما معنى الأحاديث التي وضعوها عن إمعانِه، والعياذ بالله، في الأذى والضرب والعنف، وإدمان الغزو، بلا مبرر، ولا سند قرآني؟!
كيف تستقيمُ أحاديثهم مع قوله، عزَّ من قائل: "فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شَجَرَ بينهم"، يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: "ثُمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيتَ ويسلِّموا تسليمًا"، أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث الشريف: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعًا لما جئت به".
كيف يمكن أن يدعونا الله سبحانه للإيمان والتسليم الكامل المطلق للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، والرضا بحكمه، إلا إن كان رسولًا، يصدق عليه وصف الله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".. و"وإنك لعلى خُلُقِ عظيم".. و"لو كنت فظًّا غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك، فاعفُ عنهم واستغفرْ لهم.........".
وأكرم الله العالمين به: "وما كان اللهُ ليعذبَهم وأنت فيهم، وما كان معذبَهم وهم يستغفرون".. لو صحت أحاديث السيف والرمح والقتل لما كان هناك وجهٌ لتلك الآيات الكريمات.
واللهِ لن يستقيمَ حالُ الأمة ما لم يرجعوا إلى الصورة الصحيحة لنبيهم، صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفوا عن الإساءة إليه، بادعاء أنه بُعِث بالسيف، وأنه أُمِرَ أن يقاتل الناسَ حتى يشهدوا ألا إله إلا الله.. وأن الله جعل رزقه تحت ظل رمحه، فأين: "تسعةُ أعشارِ الرزق في التجارة"؟!
حريٌّ بالأزهر و"الأوقاف" و"الإفتاء".. وجميع المؤسسات الدينية أن تنتبه، وتجتهد لإعادة رسم الصورة الذهنية الصحيحة لنبي الإسلام، لدى جموع المسلمين في أنحاء الأرض، بعد أن سعى الإرهابيون، بدءًا من الخوارج، حتى "داعش"، مرورًا بالحشاشين، والوهابية، والإخوان، والسلفيين، إلى تشويهها، ورسم صورة بعيدة، كل البعد، عن نبينا الذي أرسله الله لهداية العالمين بالحسنى، ونشر الإسلام بالحب والتسامح والرحمة.