أحمد حمدي يكتب: إرهابيو الأزهر.. «جوجل» وحده لا يكفي
مشهدان متوازيان أثارا كثيرًا من النقاش مطلع شهر مايو الجاري، فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر خلال زيارته لإندونيسيا يستقبله طلابها بانشاد النشيد الوطني المصري ترحيبا بزيارته في مشهد غير معتاد أن نراه في أي مكان في العالم، طلاب وطالبات الدولة الآسيوية يحفظون النشيد الوطني المصري كاملًا عن ظهر قلب، النشيد الوطني لدولة غير دولتهم، وبلغة غير لغتهم الأم، فقط ليرحبوا بشيخ الأزهر.
قبلها بيوم يكتب أحد المفكرين المصريين عن الأزهر، فيقول أنه منبع لتخريج الإرهابيين في العالم، لاقى رأي المفكر انتشارًا أكثر من الحدث الأول، ساق المفكر العديد من الأدلة الداعمة لوجهة نظره، أسماء إرهابيين قال أنهم تخرجوا من الأزهر، ليثبت بهذا وجهة نظره التي لم يتوان عن ذكرها مرارًا وتكرارًا عن مسئولية الأزهر عن انتشار الفكر الإرهابي، بل وتخريج الإرهابيين من جامعته ومعاهده.
والحقيقة أن السيد خالد منتصر لم يدعم كلامه بمصدر يبين لنا من أين أتى به، وطرح أسماء وراء أسماء وكأن أحدًا لن يراجع وراءه، فعلى سبيل المثال يذكر ضمن أسماء خريجي الأزهر الذين قادوا التنظيمات الإرهابية في العالم «أبو بكر شيكاو» زعيم تنظيم بوكو حرام النيجيري، رغم عدم وجود دليل على أن المذكور درس بالأزهر، غير الكلام المرسل للسيد منتصر ومن نقلوا عنه، أو نقل عنهم من مصادر مجهولة الهوية.
اسم آخر طرحه في قائمته، وهو «أبو أسامة المصري»، لم أجد مصدرًا واحدًا موثوقًا به يؤكد أن الرجل له أي علاقة بالأزهر، بل أن هناك جدلا على هويته واسمه من الأساس، وبمناسبة ولاية سيناء، هل يعرف السيد منتصر من هو مؤسس التنظيم عندما كان لا يزال يسمى «أنصار بيت المقدس»؟ بالتأكيد يعرف، هل يعرف اسم «هشام عشماوي» الذي يشار إليه بأنه العقل المدبر لأخطر العمليات الإرهابية التي تمت في مصر مؤخرًا؟ هل يعرف المسئولين عن هجوم الواحات الإرهابي الذي راح ضحيته خيرة شبابنا من الشرطة المصرية؟ هل يمكن أن يتهم المؤسسة التي تخرج منها هؤلاء بالتهم التي يوجهها للأزهر؟ عدل إن فعل.
كل الأسماء اللاحقة، بالنظر إلى مصدره على شبكة الإنترنت، نجد أن موقع «رصيف 22» طرح ذات الأسماء بذات ترتيبها التي يذكرها السيد منتصر وغيره من المفكرين المصريين، إذا فالأسماء تم نقلها دون الإشارة لمصدرها، والموقع نفسه لم يشر من أين له بهذه المعلومات؟ إذا نحن أمام حالة تشويه تاريخية، وهي جريمة في حق مؤسسة الأزهر، نتناول الأكاذيب بشكل واسع ومتكرر فتبدو لكل من يبحث عنها كما لو أنها حقيقة، لم أذكر باقي الأسماء التي طرحها السيد منتصر نظرًا لعدم اتساع المساحة لذكرها.
وربما يكون قد تخرج من الأزهر بعض من أولئك الذين تجردوا من إنسانيتهم وأخلاقهم وتعليمهم واتبعوا سبيل الشيطان وعاثوا في الأرض فسادًا وإرهابًا، ليلتحقوا بآخرين لم يروا الأزهر أو يتعلموا منه شيء، عشرة أسماء ذكرها السيد منتصر في قائمته المنقولة من الموقع المذكور، عبر ألف عام لم يجد إلا تلك الأسماء العشرة لقادة تنظيمات إرهابية، نكتشف أن أغلبهم لا ينتمي للأزهر من قريب ولا بعيد إلا في صفحة السيد منتصر وأصدقاءه المفكرين.
ماذا عن الآلاف الآخرين من المنتمين للجماعات الإرهابية؟ ماذا عن أيمن الظواهري خريج كلية الطب، ذات الكلية التي تخرج منها السيد منتصر؟ كلية واحدة، تعليم واحد، أنتج لنا الاثنين، ماذا يقول في هذا الأمر؟ هل هو الأزهر الذي جعل الظواهري يسلك طريق الإرهاب زعيمًا لتنظيم القاعدة بينما جعل منتصر يسلك طريق الشاشات التليفزيونية طبيبًا ومحللًا، ومفكرًا، وما شاء من التوصيفات؟
جوجل وحده لا يكفي يا سيد منتصر إن أردت إثبات ما تؤمن به، والأصل في البحث والدراسة هو معرفة الحقيقة وليس إثبات وجهة النظر المتحيزة دومًا ضد أشخاص أو كيانات بعينها، نرجو في المرة القادمة أن تتمعن أكثر في بحثك وأن تأتينا بمصادر أكثر قوة تدعم بها وجهة نظرك، وأتمنى، فقط، أن تحاول المرة القادمة أن ترى الأمور من منظور آخر أكثر موضوعية، أن تنظر للطلبة الإندونيسيين في الجانب الآخر من الكوكب وهم ينشدون نشيدنا الوطني كاملًا، النشيد الذي لا أظن كثير من الطلاب المصريين يحفظونه كاملًا، أو يعرفون أن له بقية من الأساس غير تلك التي اعتادوا على إنشادها بشكل روتيني بالمدارس الحكومية، لكني أظنك تعرفه بطبيعة الحال، وربما تجده على موقع جوجل بصوت طلاب الأزهر وطالباته الإندونيسيين في بحثك القادم عن إرهابيي الأزهر.
إن الإرهاب ظاهرة معقدة، لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وأمنية، وإن نحن اختزلناها بهذه السطحية في بعد واحد فقط، أو حتى في كل الأبعاد دون أحدها فلن نفلح إذًا أبدًا، ليس لأن هناك مخاوف ما، أو مصالح شخصية تفرض على المرء أن يطوع آرائه وأفكاره لتتوائم مع تلك المصالح أن نسطح من قضية بهذه الخطورة، فكل يوم يمر علينا في هذه الجدالات الفارغة من مضمون حقيقي يسقط من أبناء الوطن ضحايا لا ذنب لهم إلا أن البعض باعهم من أجل إثبات وجهة نظر لا علاقة لها بأي حل حقيقي لهذه الظاهرة الشيطانية.