مشاوير كمال حسن علي (1)
لم أجد في أي مذكرات سبق لي مطالعتها هذا الكم من التسامح والتصالح مع النفس، ومع الآخرين، حتى لو كانوا من الظالمين، أو المتحاملين، ولا من المنافسين.. معظم مَنْ يدوَّنون مذكراتهم يتعمدون أن ينسبوا كل الإنجازات لأنفسهم، والأخطاء لغيرهم.. يصفون ذواتهم بكل ميزة، ويلصقون بغيرهم كل نقيصة.. إلا هذا الرجل، رحمه الله. "مشاوير العمر" كتاب ممتع، ندمت على أنني تأخرت كثيرًا في قراءته..
ولد كمال الدين حسن على في 18 سبتمبر عام 1921، بحي عابدين.. وتولى قيادة عمليات القوات المسلحة المصرية في حرب اليمن، وهو قائد المعارك البرية في حرب أكتوبر 1973، وقدم أعمالا جليلة في حرب أكتوبر 1973 بقيادته المتميزة للفرقة المدرعة 21.. ثم تولى وزارة الدفاع والإنتاج الحربي عام 1978، ثم وزيرًا للخارجية من 1980 إلى 1983، حيث اختير رئيسًا للوزراء عام 1984.
وكعادة أي إنسان ناجح، فقد واجه كمال حسن على العديد من العراقيل والمعوقات والمؤامرات في حياته، إلا أنه لا يتوقف في سرده مشوار عمره، عند تلك المشكلات، بل يذكر المساء على استحياء شديد، ويتطوع للدفاع عن الشخصيات التي ظلمها التاريخ، أو أدانها المؤرخون، واتهموها بالمسئولية عن الأخطاء التي وقعت في السنوات الماضية، ومن تلك الأخطاء حرب اليمن، ثم عدوان 56 الذي وقع على مصر، والنكسة الكبرى في 67.
لم يتوقف الرجل كثيرًا عند حياته الشخصية، ولكنه استعرض فترة طفولته، وشبابه في حي عابدين، الذي يضم قصر الملك، الذي تحدث عنه بكل احترام، وروى كيف أن الأهالي كانوا يرون فاروق الأول، أثناء صلاة الجمعة في المسجد الملحق بالقصر، وكان يُسْمح لهم بأن يرتادوه.
نتعرف من خلال صفحات الكتاب الجميل على مأساة الأسرة، وكيف مات الابن المتفوق، شقيق كمال، بسبب تجربة علمية وسهو بسيط أدى إلى انفجار المنزل، ووفاة الابن، طالب العلوم، وكيف تصرف رؤساؤه في الجيش، آنذاك، بلباقة ورجولة، ليخففوا من صدمته.
يعرض كمال تفاصيل دقيقة عن الحرب العالمية الثانية، ومؤامرة اغتصاب فلسطين، وأسباب تغلب العصابات اليهودية على الجيوش العربية، في دقة متناهية، وسرد رائع.
ويكشف، أيضًا، عن سر عدم انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار، هو وشقيقه طلعت، الذي كان يتقدمه في التسلسل القيادي بالقوات المسلحة، كما يعرض تفاصيل علاقته بأعضاء مجلس قيادة الثورة، وخاصة أنور السادات.
لاحظت أن ذلك الرجل لم يكن يثور إلا نادرًا، فهو ليس شخصية عصبية، ولا متعصبة، وبعيد عن المؤامرات، والسياسة.. بل سلك طريقه المهني باحتراف، واستمر لآخر نفس في حياته خادمًا للوطن بحق، ولم يبحث عن مصلحته الشخصية قط.