حسام عبدالله يكتب: «الدنيا ريشة في هوا»
تأخذني الحيرة أحيانا إلى عوالم مختلفة، أشعر خلالها بالتوهان والشرود عن كل ما هو إنساني، حيث تأخذني الحيرة إلى عالم ما وراء العين، أبصر أمامي فلا أرى إلا ما بداخل عقلي من أفكار وتصورات، كأنها شاشة سينما أُسدلت أمامي، لتعرض فقط شريط ذكريات وتصورات داخل عقلي، وقد يجلس حينها أحدهم أمامي يحدثني، وأنا لا أراه أو أسمعه.. فقط أعيش مع حيرتي... وأستفيق لأجده يصيح في وجهي: "إنت مش سامعني.. رد عليه!!!"
تلك الحالة من التخبط، والحيرة، والتردد في اتخاذ موقف محدد، حالة أشد خطرا على الإنسان– في رأيي- من الوقوع في المشكلة، والحزن بسببها، إذ إن حينها تدرك المشكلة وتدرك أبعادها، وتحزن لها، ولكن في حالة الحيرة والتردد، تكون كسفينة وسط الأمواج والعواصف، لا تعرف شطآنا، تتخبط من هنا تارة، ومن هناك تارة، أو كما قال سعد عبد الوهاب: "الدنيا ريشة في هوا".
حالة من اللاوجود، تسير بدون تركيز، وتنظر بغير عين، وتتناول طعامك بغير فم، كأنك جهاز قد انقطع عنه التيار، كائن يتحرك بلا إرادة أو إدراك، يتحدث بغير فكرة أو هدف، فقط يثرثر إن أمكن.
هذه الحالة تقع فيها كثيرا، عندما يتوقف عقلك عن إدراك شيء ما، قد يكون سلوكا، أو كلمة قيلت لك، أو تلميحا تعرضت له، أو أحداثا تتعلق بك لا تستطيع ربطها ببعضها، فهنا يبدأ عقلك في العمل بطاقة فائقة تستحوذ على حواسك وأعضائك، فيطلب عقلك من جميع جسدك المشاركة، وكأنها سيارة محملة بكميات كبيرة من الأشياء، تصعد إلى مكان مرتفع.
حالة من الانشغال الكلي، خاصة عندما لا تجد من يعاونك في التفكير، أو صديقا ينصت إليك لتشاركه الأمر، انشغال يحجب عنك ألوان الكون، ويحجب نور الشمس وضوء القمر، وضحكة الأطفال، فتجد نفسك في شرنقة من الأفكار، تتنهد أنفاسا مكتومة، ترحل بك من عالم الحضور، إلى عالم من الأوهام والخيال.
إن انشغال البال والحيرة والتفكير الطويل أمام المشكلات والأحداث، لهو خطر داهم، إذا استسلم له الإنسان، فإنه ينسل بك إلى غياهب الجب، وستقع في قاع الظلمات، وسيصبح الخروج منها صعبا، بل يصل في بعض الأحيان إلى الاستحالة، بالإصابة بالأمراض النفسية ثم العقلية.
فلنحاول أن نخرج سريعا من دائرة الحيرة والأوهام، ولنكن ذوي صلابة أمام المشكلات، ونكون لأنفسنا دائرة اجتماعية قوية، مدعومة بمنظومة من الأخلاقيات والأعراف المجتمعية والدينية، تكون لنا ملاذا وقت الحاجة.