رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس الوزراء.. و«الكلام الكبير» عن التعليم


عندما قرأت تصريحات رئيس الوزراء ووزير التعليم أمس عن التعليم، تذكرت الحوار الذي دار بين الفنان الراحل يوسف داوود والفنان عادل إمام في مسرحية الزعيم، عندما هدد يوسف داوود عادل إمام لأنه لم يصن "آمال المواطنين الشرفاء في العزة والكرامة والحرية والديمقراطية"، وقتها سأله الفنان عادل إمام قائلًا "انت جيبت الكلام ده منين"، فرد يوسف داوود قائلًا: "ده طقم لازم يتقال كده على بعضه".. وهكذا كان كلام رئيس الوزراء أمس عن النهوض بالتعليم في مصر، طقم من العبارات المكررة الفضفاضة عن نهوض التعليم في مصر.


فرئيس الوزراء قال العبارة التي يقولها كل رئيس وزراء: "إن التعليم يعد الشاغل الأكبر للحكومة التي تولي اهتمامًا كبيرًا بالنهوض به باعتباره ركيزة أساسية في تحقيق التنمية والبناء"، وعرض وزير التعليم "الخطة الاستراتيجية للهيئة العامة للأبنية التعليمية للعام المالي 2016-2017 والتى تشمل تنفيذ 43 ألف فصل في مختلف المحافظات، والتعاقد لعدد 30 ألف فصل".

ثم أضاف رئيس الوزراء عبارة أخرى لأطقم العبارات الرنانة، حيث طالب رئيس الوزراء بضرورة صياغة رؤية متكاملة لتغيير الصورة الذهنية حول التعليم الفني لزيادة إقبال الطلاب على هذا النوع من التعليم مع ربط مخرجات التعليم الفني باحتياجات سوق العمل.

المدقق في كلام رئيس الوزراء يعرف أين يكمن جهل الحكومة في حل مشكلة التعليم، فرئيس الوزراء ووزير التعليم يمكنهما أن يقدما أرقاما عن عدد الفصول الجديدة، بحيث يمكن قياس نسبة الفصول التي سيتم بناؤها، وكأن المشكلة في "بناء الحجر وليست في بناء البش"، وحتى عندما يتم "بناء الفصول" لا تمر فترة طويلة حتى تتهالك، تجهيز الفصول الموجودة بشكل يتناسب مع تحقيق جودة التعليم وتعدد الفترات الدراسية، مع ابتعاث مدرسين لفترات طويلة لتعلم اللغة والتعرف على المناهج الحديثة، أفضل من بناء مدارس "الحجر فيها أهم من البشر".

تذكرني أيضًا تصريحات رئيس الحكومة عن التعليم، وبخاصة التعليم الفني، بما قاله أحد الأكاديميين في تعليقاته على طقم العبارات الرنانة التي تطلقها الحكومة.. وقتها قرأ لنا "مانشيت" لرئيس حكومة سابق يقول إن مهمته "رفع المعاناة عن المواطن".. الأستاذ الأكاديميي قال إن "المعاناة نسبية ولا يمكن قياسها"، فالمواطن الذي يجد يوميا كرسيًا في أتوبيس نقل عام يصل لعمله منتشيًا ومبتسمًا ولا يشعر بالمعاناة في الذهاب لعمله، في حين "يشتكي صاحب السيارة المرسيدس المكيفة من معاناته في الطرق المليئة بالحفر".

أعود لتصريح رئيس الوزراء عن التعليم الفني، حيث طالب سيادته "بضرورة صياغة رؤية متكاملة لتغيير الصورة الذهنية حول التعليم الفني لزيادة إقبال الطلاب على هذا النوع من التعليم مع ربط مخرجات التعليم الفني باحتياجات سوق العمل".. الكلام –على رأي الفنان الراحل سعيد صالح– "كلام كبير" ولكنه لا يزيد على كونه "كلام كبير" لا يمكن إخضاعه للقياس العلمي في ظل الفوضى الحاصلة في كل أنواع التعليم.

بل يبدو أن رئيس الوزراء نسى أنه المسئول عن الحكومة وأنه كان يجب عليه أن يعرض لنا الخطة الاستراتيجية لتغيير الصورة الذهنية عن التعليم الفني، بعد أن أمضى في رئاسة الحكومة عدة سنوات، لا أن يطالب بها، وأن يعرض التكتيكات وعوامل الجذب التي وضعتها الحكومة لجذب مزيد من الطلاب للتعليم الفني، مع إحصائية لاحتياجات السوق من التعليم الفني وكيفية ربطه بها.

أعتقد أنه عندما يأتي اليوم الذي يدرك فيه رئيس الوزراء "أن بناء البشر – معلمون وطلاب – أهم من بناء الحجر" وأن مشكلات التعليم لن يحلها "طقم عبارات رنانة لازم تتقال مع بعض" ستضع الحكومة يدها على المشكلة الحقيقية في التعليم.

وليس هناك عيب ولا لوم على رئيس الوزراء أن يعترف أن الميزانية المطلوبة لإصلاح التعليم أكبر بكثير من طاقة الحكومة.

الناس شبعت وعودًا عن إصلاح التعليم وعن جودة التعليم.. بناء المزيد من الفصول قد يسهم في حل مشكلة الكثافات في الفصول، ولكن يمكن التغلب على مشكلة الكثافات في الفصول إذا تم تقليل عدد أيام المدرسة لتكون أربعة أو خمسة أيام، مع الاستفادة من يومي الجمعة والسبت، ويمكن التغلب عليها أيضًا عن طريق تقليل عدد ساعات اليوم الدراسي، وتعدد الفترات الدراسية مع التركيز على بناء المعلم والقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية والسناتر، وبناء الطالب منذ المرحلة الابتدائية.
الجريدة الرسمية