«صفقة إنقاذ ليبيا»..قطر وتركيا تنسحبان من المشهد.. وعناصر «داعش» تهرب إلى السودان.. صراع شرس بين الروس والأمريكان على «كعكة البترول».. وتوقعات بحكومة «محاصصة»
تعيش الدولة الليبية الممزقة منذ الأسبوع الماضى أزمة جديدة تمثلت في قيام رئيس حكومة الإنقاذ المحسوبة على المؤتمر الوطني العام في طرابلس “خليفة الغويل”، بتنفيذ ما يشبه الانقلاب على حكومة الوفاق الوطني التابعة للمجلس الرئاسي الليبي بزعامة فائز السراج، وهي الحاصلة على شهادة عبور دولي وأممي تم التوقيع عليه في اتفاق الصخيرات بالمغرب، تحت رعاية المبعوث الأممى مارتن كوبلر.
الرأسان المتحكمتان في العاصمة طرابلس –الغرب- الوفاق والإنقاذ، يغردان بعيدا عن حكومة عبد الله الثني، المنبثقة عن مجلس النواب في الغرب –طبرق- والجيش الوطنى التابع لها تحت قيادة المشير خليفة حفتر.
السطور السابقة أشبه بخارطة توضيحية لفهم التشكيلات والإشكالات السياسية في الدولة، والحاكم الفعلي لكل منطقة بعدما قسمت البلاد نفسها إلى شرق وغرب نتيجة الصراعات الداخلية، وتغذية أطراف دولية للأزمة بهدف بقاء بلاد عمر المختار ساحة صراع وأرض للميليشيات والعناصر الإرهابية.
انقلاب الغويل
صحيح أن تحرك خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ من جديد وعودتها إلى صدارة المشهد، مثل زلزال جديد للمشهد، لكن في المقابل بحسب المراقبين للشأن الليبي وللأزمة التي طالت منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافى، مثلت عودة رئيس حكومة الإنقاذ الهزة التي تسبق استقرار الأرض، الأمر الذي يتطلب استغلال الفرصة المواتية وفرض “صفقة الضرورة” لجذب البلاد من دوامة الغرق ودفعها لبر الأمان.
صفقة الضرورة لإنقاذ البلاد، تحولت من مجرد أمانٍ أو خيالات إلى طوق النجاة الأخير للساسة والشعب، بعدما أصبحت ليبيا الحلقة الأضعف في المعادلة الإقليمية التي يعاد ترتيبها الآن استعدادا لدخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتبني إدارته سياسة مسح الذاكرة المتعلق بدعم أمريكا للتنظيمات الإرهابية المسلحة، وخطته في دفع دول الشرق الأوسط إلى الاستقرار وترك الحليف الروسي المفروض على الولايات المتحدة الآن إدارة عدد من الملفات، بهدف الذهاب إلى غرب آسيا ومحاصرة التنين الصيني الذي بدأ يلفظ ألسنة اللهب على الولايات المتحدة، ويستعد للخروج من مخبئه لوضع بكين منافسا لواشنطن سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
انتهاء قطر وتركيا
مؤشرات الحراك الدولي الهادف لطي صفحة الربيع العربي، وحرق كتاب “داعش” وأخواتها من التنظيمات المتطرفة في المنطقة واعتبار جماعة الإخوان ضمن صفحات هذا الكتاب، فرضت على قطر وتركيا ابتلاع “حبة الدواء المر”، الذي وصفته إدارة ترامب، وبات واضحا بقوة انسحاب الأمير تميم بن حمد من المشهد السياسي وغلق خزائنه في أوجه العناصر المتطرفة خشية انقلاب الطاولة وخروج قانون أمريكي يشبه قانون جاستا يضع أموال المشيخة في عهدة الولايات المتحدة الأمريكية بذريعة حماية العالم من شر مال الغاز القطري الذي تحول إلى أنبوب تغذية للجماعات الإرهابية.
بالتبعية أيضا ابتعدت تركيا عن الملف الليبي في ظل مخاوفها من الغرق في مستنقع سوريا وميلاد دولة للأكراد من تحت قدمها تسعى أمريكا جاهدة لمنحها الحياة لإنهاء دولة الخلافة القديمة، وإسقاط رجل الشرق المريض رجب طيب أردوغان، هذه الهواجس دفعته للابتعاد ومحالفة الروس والتنازل عن أحلامه بارتداء تاج السلطان.
العوامل السابقة تفسر إلى حد كبير سر الانقلاب الحادث والاقتتال القطري - القطري بالداخل الليبي بعدما أعلن خليفة الغويل المحسوب على الجماعة الليبية المقاتلة، الحرب على عناصر جماعة الإخوان، في مشهد دراماتيكي للصراع المفتوح للحلفاء الذين جلسوا على طاولة الدوحة بالأمس القريب.
صفقة الإنقاذ
رمزى الرميح المستشار السابق للجيش الليبي، ابتعد عن الاتهامات للغويل والسراج، واعتبر في حديثه مع “فيتو” لتوضيح جوانب الأزمة، أن تحرك رئيس حكومة الإنقاذ برغم من مخاوف البعض منه، بدد غمامة المشهد، وأصبح هناك فرصة لحل سياسي يلوح في الأفق.
الحل من وجهة نظر “الرميح”، الذي اعتبره مشروعه الخاص وطرحه على الجميع منذ عام يتمثل في خلق “طائف ليبي” أو محاصصة حكومية تجمع الشرق والغرب والجنوب في شكل اتحادي، يغلق الطريق على “أهل الشر” كما وصفهم استلهاما من المصطلح الذي اعتاد الرئيس عبد الفتاح السيسي ترديده.
ويرى “الرميح” أنه حان الوقت لتشكيل مجلس رئاسي يضم ثلاث شخصيات ممثلين عن الأقاليم المتناحرة، وهو على القطراني عن الشرق، وفائز السراج عن الغرب، وموسى الكونى عن الجنوب.
وتشكيل حكومة وفاق وطني محلي بنظام المحاصصة تجمع بين وزراء عبد الله الثنى وخليفة الغويل، تضم 18 وزيرا يمثلون الجهات الثلاث المتصارعة حاليا، وتوحيد الجيش الوطني الليبي بهدف السيطرة على حدود الدولة، ونزع الأسلحة من الميليشيات المتطرفة التي وقع في حوزتها أكثر من 25 مليون قطعة سلاح.
المستشار السابق للجيش الليبي، شدد على أن الدور القطرى الرامي إلى الفوضى في الداخل الليبي والذي مثل حجر عثرة أمام أي تفاهمات، انتهى مع إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، وخروج باراك أوباما وإدارته الداعمة للتيارات الإسلامية المتشددة من غرف السلطة، معتبرا أن الحراك الأخير بالعاصمة يفسر إلى حد كبير انسحاب حلفاء تميم من عباءته وسعيهم للاندماج في عملية سياسية أوشكت على الظهور بالرغم من ولادته المتعثرة، مشيرا إلى وجود مثلث رئاسى بين ترامب وبوتين والرئيس السيسي سوف يكون له الكلمة العليا خلال الفترة المقبلة لطي صفحة الأزمة الليبية.
السودان هدف داعش المقبل
اتفق أيضا مع حديث الرميح، المحلل السياسي التونسي زهير المخلوف، مؤكدا في تصريحات لـ”فيتو”، أن الدواعش مستهدفون الآن من طرف الجميع، وسيضطرون للفرار من ليبيا إلى السودان، وهى بؤرة التوتر المقبلة.
وحول السيناريو السياسي المرتقب في ليبيا، رأى مخلوف أن الصراع هناك الآن خرجت منه قطر وتركيا، وأصبحت المواجهة بين أمريكا وروسيا، والمعركة تحولت إلى الصراع على اقتسام الموارد الطبيعية بين القوى الكبرى، بعدما دخلت موسكو على الخط مباشرة وأعلنت دعم حفتر.
"نقلا عن العدد الورقي.."