رئيس التحرير
عصام كامل

حوار يتجدد!


كان الدولار الأمريكى يتنزه على شاطئ النيل ساعة الغروب، فلمح الجنيه المصرى جالسًا على أحد المقاعد مطأطئ الرأس.. اقترب منه وسلم عليه، ثم سأله: ما لى أراك هكذا يارجل.. شاحب الوجه، زائغ العينين.. ما هذا الحزن الذي يخيم عليك؟ أصدقك القول أنا لم أعرفك.. قلت في نفسي..لا..لا.. ليس هذا هو الجنيه، القيمة والقامة، الذي كنت أشرف بالوقوف إلى جواره منذ زمن.. لم يعر الجنيه الحديث التفاتًا، غير أنه لوى عنقه ونظر إلى الأفق البعيد..


استمر الدولار في حديثه، قائلا: لقد كنت عملاقا يارجل؛ ممشوق القوام، مفتول العضلات، جهوري الصوت.. لم يكن أحد يقف أمامك.. الكل كان يعمل لك حسابا، وهيبتك حاضرة، بل كانت تسبقك إلى أي مكان تذهب إليه.. نظرات عينيك الحادة كانت كافية لكى تنخلع لها قلوب أعدائك.. إذا سرت في طريق، سار نظراؤك في طريق آخر.. أتذكر كيف أننى كنت وإخوانى من العملات أقزامًا إلى جوارك.. الآن انعكس الوضع، وصرت أنت القزم..

نظر إليه الجنيه بحدة، وقال: من فضلك.. لا داعى لهذه السخرية، كفى ما بى من وجع.. الدولار: ما قصدت شيئا.. أنا فقط مشفق عليك.. حالك كما هو واضح بائس وتعيس.. ثم قال (بخبث): صدقنى.. أنا حزين من أجلك، وأتمنى أن أراك على غير هذا الحال.. لكن، قل لى: ما الذي أوصلك إلى هذا الوضع المأساوى؟

الجنيه (بصوت خفيض): أرجو ألا تذكرنى بما مضى، أيام أن كان قومى يعملون بهمة وجد ونشاط.. كان العالم يتهافت على بضائعهم وصناعاتهم.. كان لديهم اكتفاء ذاتى، ولم يكونوا بحاجة إلى الآخرين.. للأسف، انقلب الوضع رأسا على عقب.. فلا أحد يعمل، وبالتالى لا إنتاج.. لم يعد لدينا ما نصدره، وصرنا معتمدين على الاستيراد في كل شيء، حتى الحاجات الضرورية.. ما يحزننى هو أن قومى صاروا يمدون أيديهم للقريب والبعيد.. ويبدو أنهم استمرؤوا عملية التسول، وصرت أعانى من الكسوف والخجل عندما ألتقى أي عملة أخرى.. ارتفاع الأسعار أصبح جنونيا..

الدولار: أعلم أن العنف والإرهاب الذي ضرب بلادكم قد تسبب في توقف النشاط السياحى عندكم، وكان هذا يوفر لكم عملات صعبة.. وأعلم أيضًا أن الاستثمارات هي الأخرى تعانى من تراجع وتقهقر.. لكن فيما يبدو، قومك لا يزالون يعملون وفق النظم القديمة، وهذه عفى عليها الزمن.. ثم، أين القطاع الخاص؟ واضح أن رئيسكم أصبح يعتمد على القوات المسلحة في كل شيء.. الجنيه (مستدركًا): صحيح ما تقول.. مع ذلك، فالأخيرة لا تعمل بمعزل عن القطاع الخاص..

المشكلة الكبرى تكمن في الفساد المزمن الذي نعانى منه، ثم هذه المجموعة الاقتصادية التي تفتقر إلى الرؤية.. صمت قليلا، ثم هز رأسه، وقال: قل لقومك.. كفاكم عارًا.. فأنتم من زرعتم الإرهاب وتقومون بتمويله ودعمه..
الجريدة الرسمية