رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام والحرية والإبداع


الحرية في أبسط معانيها هي القدرة على الاختيار بين البدائل، شريطة أن تكون هذه البدائل موجودة بالفعل..إن إكراه الإنسان على اختيار طريق واحد، مع توافر طرق أخرى غيره، يفقده حريته ويصادر إحساسه بوجوده وإنسانيته..لذا، كانت الحرية من فرائض الإسلام، وتعتبر حرية العقيدة من أعظم وأجل قيمة على الإطلاق.. تأمل قوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف: ٢٩)، وقوله: "لا إكراه في الدين" (البقرة: ٢٥٦)..


وقد اقتضى عدله ورحمته سبحانه ألا يحرم كافرا حظه في الحياة؛ من مال أو جاه أو سلطان "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا" (الاسراء: ٢٠).. إن الأصل في خلق الإنسان والحيوان والطير والنبات والحشرات هو التنوع، لأنه يمثل مادة إثراء، وتفاعل، وتدافع، وتنافس، وصراع..وقد بعث الله تعالى الأنبياء والرسل الكرام لدعوة الناس إلى عبادته وحده، والتسابق على فعل الخيرات والتنافس فيما بينهم للوصول إلى العلا من ناحية، والابتعاد عن الشر ونبذه ومقاومته من ناحية أخرى، "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل عن العالمين" (البقرة: ٢٥١)..

من هنا، كانت القدرة على التعايش بين البشر على اختلاف أديانهم، ومذاهبهم، وأعراقهم تمثل قيمة كبرى، وعلامة مضيئة في حياة الأمم والشعوب الراقية "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود: ١١٨، ١١٩)..

إن اختلاف الألسن والألوان والأشكال والأعراق والمدارك والعقول والأفهام، هي من عجائب صنع الله تعالى وقدرته وحكمته "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم أن في ذلك لآيات للعالمين" (الروم: ٢٢)..لأجل ذلك، من الصعب أن يجتمع الناس على شيء واحد، أو فكرة واحدة، أو رؤية واحدة..

ومن هنا نشأت المذاهب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بل والفقهية أيضا..

في الدول الشمولية، ذات الفكر الواحد، يبدو المجتمع وكأنه آلة أو ماكينة، فلا حرية فكر أو رأي، ولا سماح لنقد أو تعبير، ولا إمكانية لرفض أو احتجاج.. مثل هذا النوع من المجتمعات غالبا ما يكون متخلفا ومستبدا وفاسدا، فكيف يكون هناك ابتكار أو إبداع، والإنسان يعانى من قهر وتسلط وانتهاك لحقوقه ومصادرة لحرياته؟ كيف يكون هناك ابتكار أو إبداع، والإنسان مهان في وطنه وبين أهله وناسه، وكل ما يجرى حوله يقتل فيه الشعور بروح الانتماء والولاء؟ . 

إن الديموقراطية-على سبيل المثال-هي اختراع وإبداع إنسانى في المقام الأول، شريطة أن تتوافر لها الشروط الواجبة؛ من حرية وصدقية وشفافية ونزاهة وعلم وثقافة وعدالة اجتماعية وتعددية حقيقية واحترام للقانون وتنفيذ لأحكام القضاء، فضلا عن الفصل بين السلطات والتوازن بينها. في ظل ذلك، تتفجر قدرات الإنسان وطاقاته على الابتكار والإبداع..

صحيح أنه لا توجد في عالمنا حرية مطلقة، ولا ينبغي أن تكون، وإلا صارت فوضى..إذ أن هناك دائمًا قيود على الحرية، وتتفاوت المجتمعات فيما بينها حول مساحة الحرية وطبيعتها وحدودها..فالحرية في أمريكا، غيرها في بريطانيا، غيرها في فرنسا، غيرها في هولندا أو السويد أو النرويج، وهكذا..وذلك راجع للخصوصية الثقافية لهذه الشعوب، علاوة على ميراثها الحضارى وأعرافها وتقاليدها الراسخة المرتبطة بتاريخ وتجارب كل منها..
الجريدة الرسمية