رئيس التحرير
عصام كامل

المحنة.. والمنحة


تشكل قضية المحنة جانبا رئيسيا في تفكير ووعى ووجدان الإخوان.. وعادة ما يقارنون بينها وبين أحداث من السيرة النبوية المطهرة، ليؤكدوا لأنفسهم -قبل غيرهم- أنهم ماضون على ذات النهج، ويسيرون في الطريق الصحيح، وبالتالى هم جزء من أصحاب الدعوات عبر عصور التاريخ.. يطلقون على المحنة منحة، كما أنهم يعتقدون أن الصبر على لأوائها هو الطريق المؤدى إلى الجنة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" (١٤٢) ففى المحنة يتفاضل أهل الإيمان، ويتمايز أصحاب الكفاءات والطاقات..


من ناحية أخرى، ينظر الإخوان إلى المحنة على أنها المرحلة التي تسبق التمكين، ويستشهدون في ذلك بما قاله الإمام الشافعى (رحمه الله) عندما سئل: هل المرء يمكن أولا ثم يبتلى أم العكس، فأجاب: يبتلى المرء أولا ثمن يمكن..لقد مرت بالإخوان محن كثيرة، منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى اليوم، وبالتالى لا ينقطع الأمل لديهم في أنهم سوف يعودون لممارسة أمور دعوتهم من جديد..

والحقيقة أن المحن تتفاوت في درجات الشدة من محنة إلى أخرى، كما يتفاوت الإخوان أيضا في قدراتهم ومدى تحملهم لها، فمنهم من يخرج منها وهو أكثر شدة وصلابة، وبالتالى أكثر إصرارا على المضى في نفس الطريق، ومنهم من تنفرط حبات عقده، فيترك ما كان عليه بالكلية، ومنهم من يراجع أوراقه ويعيد حساباته، لعله أخطا في كذا أو كذا، ومنهم من يصاب بمرض نفسى أو انحراف فكرى، وهكذا.. وقد التقينا في حياتنا الدعوية كل هذه النوعيات..لكن الخطورة تظهر آثارها عندما يتولى قيادة الجماعة هذه النوعية الأخيرة، خاصة إذا ما افتقرت إلى الرؤية الإستراتيجية والعقل والحكمة والرشد، علاوة على غياب فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات..

فإذا أضفنا إلى ذلك، وجود مفاهيم مغلوطة؛ كاعتماد العنف وسيلة للتغيير، أو اتخاذ الديقراطية سلما للوصول إلى السلطة ثم التخلص منه بعد ذلك، أو المزج بين الجماعة والحزب (أو الخلط بين الدعوى والسياسي)، أو عدم الاعتراف بمفهوم الدولة الوطنية الحديثة، أو الحرص على سرية التنظيم، أو عدم تقنين أوضاع الجماعة..إلخ، أقول تصبح الخطورة مؤكدة..أحيانا يدفع سوء التقدير أو الحماس الزائد أو الاغترار بالقوة عند الجماعة إلى أن تقدم على خطوة تكلفها أعباء وخسائر قد تفوق قدراتها وطاقاتها بكثير..

لذا، جاء في الحديث: "لا يذل الرجل منكم نفسه..قالوا: وكيف يذل الرجل منا نفسه يا رسول الله؟ قال: يعرض نفسه للبلاء ما لا يطيق"، أو كما قال.. ولعل ما حدث في اعتصامى "رابعة" و"النهضة" يعبر عن ذلك أصدق تعبير..فقد تصورت الجماعة ومناصروها، أنهم قادرون- بما معهم من سلاح وحشد-على استعادة السلطة وفرض إرادتهم على الدولة، وإيقاع الهزيمة بجيشها وشرطتها(!)

كان من الواضح أن هناك وعودا من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها (الاتحاد الأوروبي، وتركيا، وقطر)، على الدعم والتاييد والمساندة، لكن كان هناك أيضا نوع من الغيبوبة تمثلت في التهليل والتكبير الذي أظهرته الحشود عند سماعها للرؤى المنامية التي حاول البعض أن يأسر بها القلوب ويسيطر على العقول، ويلهب بها المشاعر..
الجريدة الرسمية