رئيس التحرير
عصام كامل

خطبة الجمعة «المسيطرة» والخطيب البوق


نشرت صحيفة «الوطن» خبــرًا عن الأزمة التي نشبت بين وزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء حول "خطبة الجمعة الموحدة والمكتوبة"، وقالت الصحيفة إن هيئة كبار العلماء رفضت خطبة الجمعة الموحدة، وإن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، قال إنه يحترم هيئة كبار العلماء ولكن قرارهم غير ملزم للوزارة.


قرار وزارة الأوقاف ليس بغريب، فالدولة تسير، إن لم تكن سارت بالفعل نحو المركزية والصوت الواحد، المستغرب هو قرار هيئة كبار العلماء التي لم تبصر ما يبصره الكثير من الناس، وزير الأوقاف قال: "إن جميع قيادات الأوقاف ومعظم أئمتها على قناعة كبيرة بأداء خطبة الجمعة الموحدة"، فهل أجرى معاليه استبيانًا للتأكد من رأي الأئمة؟ وما رد الوزير على ما نشرته صحيفة "اليوم السابع" من أن خطباء من المنيا والسويس لم يلتزموا بالخطبة أو بالخطبة المكتوبة؟

خطبة الجمعة المكتوبة هي بمثابة اعتراف من وزارة الأوقاف بوفاة خطبة الجمعة؛ لأن الأصل في الخطاب أن يكون للقائم بالاتصال -طالما ارتضت وزارة الأوقاف تعيينه- الحرية في موضوع الخطبة بما يتوافق مع يراه الخطيب أو الإمام مناسبًا، فقد يرى إمام المسجد أو الخطيب، ضرورة أن يكون موضوع خطبة الجمعة عن الإنفاق في سبيل الله إذا كان هناك مشروع تحتاجه المدينة أو المحافظة، بينما يضطر أن "يقرأ" خطبة عن موضوع آخر.. ولا بأس أن توجه الوزارة نظر الأئمة والخطباء إلى بعض الموضوعات التي يجب تناولها، وخطبة الجمعة كما ترغبها وزارة الأوقاف هي ليست فقط موحدة، بل خطبة تهدف إلى "السيطرة" على أفكار الخطباء فيتحولون من قائمين بالاتصال إلى وسيلة أو آلة تبث الكلمات على الهواء.

وهناك التباس لدى أصحاب هذه الفكرة، فوزارة الأوقاف تطلق على الخطبة الجديدة "الخطبة الموحدة"، والحقيقة التي يجب أن تعلنها الوزارة –وهي لن تفعل ذلك- أن الخطبة في حقيقتها هي "خطبة مسيطرة".. فالخطاب الموحد أو السائد في المجتمع أو Dominant Discourse يحمل قيم المجتمع وتقاليده، ولا أعتقد أن هناك من خطباء وأئمة الأوقاف من يخرجون في خطبة الجمعة عن قيم المجتمع وتقاليده، وعلى الرغم من حسنات الخطاب السائد، فإن بعض علماء الخطاب يحذروننا منه لأنه يمكن أن يؤدي إلى مجتمع راكد عاجز عن التقدم.

لا أعتقد أن أصحاب فكرة الخطبة المسيطرة يعنيهم ركود المجتمع من عدمه، فركود المجتمع قد يتم تبريره على قاعدة أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.. فالمجتمع المتقدم هو المجتمع الذي لا يضيق على القائمين بالاتصال.. والخطباء -إذا كان وزير الأوقاف لا يعرف- من أهم القائمين بالاتصال، ولأني أعرف أن وزير الأوقاف يعرف، فالمفروض ألا تهدف الوزارة إلى السيطرة على خطاب خطباء المساجد.

أما الخطاب الذي تريده وزارة الأوقاف ويؤيده وزير الأوقاف فهو خطاب ثقافي مسيطر، والخطاب المسيطر أو Cultural Hegemony Discourse هو سمة المجتمعات السلطوية.. وبعيدًا عن كلمات دكتورنا الشيخ وزير الأوقاف عن "الشرعية والوطنية"، فإن الخطاب المسيطر يهدف في رأي علماء الخطاب إلى إجبار المجتمع على تبنى لغة وفكر من هم في السلطة، ثم أن التذرع – مثلًا - بتجفيف منابع الفكر المتطرف مردود عليه بأن أئمة الأوقاف موظفون رسميون في الدولة ويتم تعيينهم بعد الحصول على الموافقات الأمنية المطلوبة، ويمكن للوزارة إيقاف الخطيب الذي يتطرق إلى موضوعات إن بدت "لوزارة الأوقاف تسوءها"، فضلا عن أن أئمة وخطباء وزارة الأوقاف لا يتطرقون لموضوعات سياسية، وكان يمكن للوزارة أن تحذر الخطباء والأئمة من الوقوع في موضوعات جدلية، مع أن الأصل في الأمر يجب أن يكون لدعم حرية الخطاب وليس العكس.

كنا نتمنى أن يوجه وزير الأوقاف جهود الوزارة إلى تجديد الخطاب الديني، فالمشكلة ليست في الخطيب أو إمام المسجد، المشكلة أعمق من ذلك.. وحتى إن كان هدف الوزارة هو التأكد من أن خطبة الجمعة تخلو من عبارات تسيء إلى الآخر أو تتضمن غلوًا في غير موضعه، فكان على الوزارة أن تتكاتف مع الأزهر في تنقية التراث الإسلامي من غبار قرون، ومن فتاوى سمحت لمجموعة من الناس أن يقتلوا المسلمين وغير المسلمين باسم الإسلام ويفتشون في قلوب البشر ويقولون إنهم يجدونه عندهم في كتب التراث.

وطالما أن هدف وزارة الأوقاف هو أن تحول الخطباء والأئمة إلى أبواق، فليسمح لي معالي وزير الأوقاف بفكرة للتأكد من الخطيب لن يرتجل في الخطبة ويضيف إلى ما هو مكتوب، إذ يمكن للوزارة أن تذيع الخطبة في المساجد على أن يحرك الخطيب شفاهه وأن يظل طوال الليل يتدرب على ذلك "المكساج" حتى تتوافق حركة الشفاه مع الصوت القادم من السماعات الموضوعة خلفه أو بجانبه.. لا أعرف مدى شرعية الفكرة، لكن ما أضمنه لوزارة الأوقاف إن صحت شرعية الفكرة، هو أنه سيكون لدى الوزارة "جسم" و"صوت"، وأعتقد أن ذلك هو كل ما تريده الوزارة.
الجريدة الرسمية