رئيس التحرير
عصام كامل

تدهور صناعة الإعلام في مصر


سمعنا في الآونة الأخيرة أخبارًا عن بيع قناة أون تي في لأحد رجال الإعمال، وأمس عن اندماج شبكتي "النهار" و"سي بي سي"، وقبل ذلك بعام تقريبا سمعنا عن إغلاق قناة سي بي سي إكسترا. قد يكون السؤال حول أسباب الاندماج أو التقليص ساذجًا.


فالإجابة التي تبدو واضحة حتى من الشبكات أو القنوات نفسها، هو أن تقليص عدد قنوات الشبكة أو اندماجها بشكل كامل يأتي لأسباب مالية بحتة. ويبدو هنا السؤال لماذا تتعرض مثل هذه القنوات لأزمات مالية رغم أنها موجودة بقوة على الساحة الإعلامية؟

الأسباب متعددة، وأولها عدم وجود خطة واضحة لمستقبل هذه القنوات عند إنشائها، وعدم وجود خطة لمواجهة الأزمات المالية مسبقًا، فلماذا توسعت شبكتا سي بي سي والنهار، وامتلكت عددا ليس بقليل من القنوات، ثم بدأت بتقليصها. كان يمكن لشبكة سي بي سي أو النهار أن يقتصرا على قناة واحدة بدلا من عدة قنوات داخل المجموعة أو الشبكة، لكن الظاهر أنه عند التخطيط لمثل هذه القنوات يكون الهدف هو التوسع بشكل كاف، ليكون هناك قدرة على منافسة ما هو موجود على الساحة. لكن المشكلة أن وجود مجموعة قنوات داخل كل شبكة يعني طاقة بشرية أكبر، واستديوهات أكثر.

السبب الثاني، الواضح هو تسابق القنوات على ضم أسماء إعلامية معروفة ولامعة تتقاضى مرتبات كبيرة الأمر الذي يثقل ميزانية القناة، وبخاصة إذا كان العائد الإعلاني ليس كافيا أو يكاد يغطى تكلفة البرنامج، وللسبب نفسه بدأنا نسمع عن تقليص رواتب بعض الإعلاميين، وعن إيقاف بعض البرامج.

يواكب العاملان السابقان مشكلة ثالثة ذات طرفين تتعلق بسوق الإعلانات في مصر. فالإعلام الخاص يتنفس من الإعلانات، وعندما تقل الإعلانات يحدث ضيق نفس حاد، تحاول من خلاله الشبكات الإعلامية تقليل عدد المتنفسين–وأقصد هنا المتنافسين- داخل غرفة سوق الإعلانات، لعل أكسجين الإعلانات يكفي للعدد المتواجد.

المشكلة السابقة قد تحدث لسببين: الأول عدم وجود وعي كامل لدى هذه الشبكات قبل بدايتها بحجم سوق الإعلانات في مصر وكيف يعمل هذا السوق. ورغم اعتقادي بأن هذا السبب ليس المسبب الرئيسي للمشكلة لكنه يظل محتملًا.

السبب الثاني هو ضعف المستوى الاقتصادي العام في الدولة، فكلما نما الاقتصاد ونجح القطاع الخاص في مجال الصناعة والثقافة وحتى السياسة، زادت حصيلة الإعلانات داخل سوق الإعلانات.

من الصعب أن نحّمل تقلص حرية الرأي والتعبير في مصر المشكلة وراء بيع، أو اندماج، أو حتى توقف، فهناك إعلاميون ينتقدون سياسة الدولة ويعملون في قنوات لم نسمع حتى هذه اللحظة أنها تتعرض لأزمة مالية. ومن بين الأسباب التي لا يتعرض لها صناع الإعلام هو ذوق الجمهور وطبيعة الاستهلاك، فجميع القنوات التليفزيونية الخاصة تقدم الوجبات الإعلامية نفسها بلا استثناء، وهو ما يعني أن المشاهد لا يجد هناك اختلافا حقيقيا بين هذه القنوات.

بيع أو اندماج بعض القنوات أو الشبكات الإعلامية مؤشر خطير على أن صناعة الصحافة المطبوعة في خطر. فاذا كان التليفزيون يعاني وهو يقدم خدمة مجانية للمشاهد، فإن ذلك يعني أن بعض الصحف المطبوعة ستتوقف قريبًا، وبخاصة أن خدمة الصحافة المطبوعة مدفوعة، وأنه إذا كانت التليفزيونات الخاصة لا تجد إعلانات كافية بسبب تقلص سوق الإعلانات مع زيادة القنوات الإعلامية فإن الصحف المطبوعة ستعاني الأمر نفسه.

ويبدو السؤال هنا كيف يمكن إنقاذ صناعة الإعلام في مصر من التدهور الاقتصادي؟

بعض الدول الغربية حاولت تجنب التدهور الاقتصادي، فلم تقدم الخدمة التليفزيونية بشكل مجاني، ولكنها استخدمت خدمة الكابل المدفوع بحيث يتم بيع الخدمة للمشاهد شهريا مقابل حصوله على عدد من القنوات. هذا الحل لا يبدو محتملًا بالنسبة للواقع المصري، فمع ضعف القدرة الشرائية للمشاهد بشكل عام، سيتجه المشاهدون للقنوات التي ستقدم الخدمة لهم بشكل مجاني.

قد يكون الحل في إعادة هيكلة هذه الشبكات أو القنوات بحيث تبدأ في تقديم مضامين مختلفة، فحتى كتابة هذه السطور لا توجد قناة تليفزيونية مصرية متخصصة في مجال المال والاقتصاد.

تقليص عدد القنوات يبدو ضرورة، والاندماج أفضل من التوقف، فهو تصحيح لخطأ أو استفاقة متأخرة لمخاطر كان ينبغي التنبه لها، لكن المهم ألا تتوقف هذه القنوات، لا بأس أن تتقلص أو تندمج، فما لايدرك كله، يجب أن لا يترك جله.

الجريدة الرسمية