رئيس التحرير
عصام كامل

فليغرسها.. فله بذلك أجر


الإسلام دين عمل وكد وكدح.. لا يقر كسلا أو تراخيا أو تواكلا، ويدعو الإنسان أن يبذل كل ما في وسعه من جهد ليحصل على ما يكفى حاجته من جهة، وحتى لا يعيش عالة على الآخرين من جهة أخرى.. صحيح أن الله تعالى "هو الرزاق ذو القوة المتين"، لكن من خلال العمل الجاد والسعى الحثيث في الأرض، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، كما قال عمر (رضى الله عنه)..


يقول الحبيب: "لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا"، أي أنها لا تنتظر طعامًا، هي تعلم - فطرة - أنه لا يأتيها في عشها، بل عليها - وقد خلت بطونها - أن تنطلق في جد وهمة ونشاط باحثة عن الطعام، كى تعود من رحلتها وقد شبعت وامتلأت.. على الإنسان أن يضع نصب عينيه تلك الحكمة المأثورة: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كانك تموت غدا".. والمقصود هو أن على الإنسان أن يعمل بجد واجتهاد لآخر لحظة في حياته، متى كان مستطيعًا ذلك، فليس في الإسلام أن تقعد في انتظار الموت، لمجرد أنك تشعر بدنو أجلك.. والقاعدة، أنه طالما فيك عرق ينبض، وقدرة على الحركة، فلابد من العمل، وسوف يكتب الله لك بذلك أجرًا..

يقول الحبيب (صلى الله عليه وسلم): "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر"، أو كما قال الرسول يحضك ويحفزك على العمل حتى آخر لحظـة.. وقد لا تجني ثمرة زرعك هذا، المهم أن تزرع، وسوف يأتى غيرك من بنى جلدتك لكي يرعى هذا الزرع بالسقيا والنماء، وربما يجنى هو ثمار ذلك، أو يجنيها غيره.. المهم أنه سوف ينتفع بهذا الثمر أناس لا تعرفهم ولا يعرفونك.. أنت إذا، لست مصدر خير لنفسك فقط، وإنما لغيرك أيضًا..

يقول تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (التوبة: ١٠٥)... والعمل هنا ليس مقصودًا به إقامة الطاعات وفعل الخيرات فحسب، وإنما مقصود به العمل الذي يخدم به الإنسان نفسه، ووطنه، وأمته كذلك.. ولا يكون ذلك مجديا إلا إذا كان مؤسسًا على العلم النافع، والتخطيط الجيد، والإدارة الصحيحة.. يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير".. والمؤمن القوى؛ علما وعملا، يكون أكثر فائدة لنفسه، وأسرته، ومجتمعه، ووطنه، وأمته... لكن في الوقت ذاته عليه أن يرجو بعمله هذا وجه الله تعالى..

فقد قال الحبيب (صلى الله عليه وسلم): "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، أو كما قال.. إن هناك من الذنوب والآثام، ما لا يكفر عنها صيام ولا صلاة (تطوعا)، إلا السعى وراء الرزق...

إن مشكلتنا في مصر تكمن في تدهور منظومة العمل، وبالتالي قلة الإنتاج، وهو ما جعلنا نستورد أكثر من ٨٥٪ من حاجياتنا، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه المصرى.. صحيح إننا نعانى من تراجع كبير في النشاط السياحى، وهبوط الاستثمارات نظرا لما تعرضت له مصر من موجة إرهابية عاتية، ناهيك عن تربص دول كبرى بنا، لكن علينا أن نعترف بأننا مقصرون، فالهمم متدنية، والعزائم متراجعة، والإرادات ضعيفة.. وإذا كنا نريد أن نبنى أمتنا ووطننا على نحو صحيح، فعلينا أن نبذل أقصى الجهد والسعى، وأن نواصل العمل بالليل والنهار دون كلل أو ملل..

القضية تحتاج إلى إعادة النظر في منهج حياتنا، وعلى القائمين على الأمر في هذا الوطن أن تكون لديهم رؤية للنهوض بالعمل في مصر، من حيث وضع الاستراتيجية المطلوبة، وخطة لتحفيز العاملين في الدولة على مزيد من العمل والإنتاج، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، مع المتابعة الدقيقة واللصيقة في جميع المجالات والميادين.. إن من الملاحظ على المصريين الذين تتاح لهم فرصة السفر والعمل في الخارج أنهم يتحولون إلى كتل من الانضباط والهمة والنشاط والأداء المتميز، ذلك لأنهم يعلمون جيدًا أن هناك قانونًا، لا يفرق بين الكبير والصغير، وأن هناك ثوابًا لمن يؤدى عمله بإتقان، وعقابًا لمن يهمل أو يتراخى في العمل..
الجريدة الرسمية