الإمارات.. طموح لا يتوقف
الغد هو هدف لا يتوقف السعي إليه في الإمارات، والحلم هنا يبدأ من الحقيقة ويعتمد عليها ويحلق في الخيال متخذًا من القدرات والإمكانيات والموارد المتاحة جناحين يحملانه في فضاء تنافسي عالمي لا يعرف سوى لغة العمل والجدية.
والإمارات في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ تمضي بخطى ثابتة على درب التقدم والتطور والتنمية كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ الذي لخص في تصريحاته الأخيرة "سر النهضة"، حين قال إنه "بالرغم من تقدم الدولة في الكثير من القطاعات المهمة، فإن التخطيط للمستقبل والاستعداد له مسئولية مشتركة بين الحكومة والشعب، وحكومة الإمارات وظيفتها رسم أجندة وخارطة لإمارات المستقبل"، وذلك في معرض إعلان سموه عن الخلوة الوزارية الموسعة التي ستناقش اقتصاد الإمارات مابعد النفط.
هذه الكلمات تعني أمرين مهمين أولهما فكرة الشراكة الوطنية الحقيقة بين الشعب والحكومة، والثانية هي تكريس الوظيفة الحقيقية للحكومة، وهي رسم أجندة وخارطة المستقبل لشعبها، فالكثيرون من حولنا وعالميًا يعتقدون أن الازدهار في دولة الإمارات يرتبط حصرًا بالنفط، ولكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أعلنها للجميع صراحة "سنحتفل بآخر برميل نصدره من النفط كما قال أخي محمد بن زايد وسنبدأ بوضع برنامج وطني شامل لتحقيق هذه الرؤية وصولًا لاقتصاد مستدام للأجيال القادمة".
عندما يعتمد نحو 70% من اقتصاد دولة الإمارات في الوقت الراهن على القطاعات غير النفطية، فإن ما يحدث على أرضنا من تقدم وتنمية هو بالفعل معجزة اقتصادية بكل المعايير والمقاييس، وكلمة السر في ذلك ببساطة هي "الانتماء"، فهي مفتاح استخراج النفط واكتشاف ما أعقبه من "آبار"وكنوز جديدة باتت رافعة حقيقة لمسيرة اقتصادنا الوطني، ومنها المعرفة والمعلوماتية وثقافة الإبداع والابتكار.
الانتماء هو المحرك الهائل لتوليد الأفكار وإطلاق الطاقات في خدمة هذا الوطن، والانتماء كلمة تتردد على ألسنة الملايين، بل عشرات ومئات الملايين شرقًا وغربًا لكن قل من يترجمها إلى سلوك يحكم ممارساته وتصرفاته، ومن بين هؤلاء مواطني هذا البلد، الذين تشربوا قيمًا أصيلة غرسها الآباء المؤسسون ممن حملوا راية التأسيس والبناء بأمانة، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
وأحد تجليات هذا الانتماء أن القيادة في دولة الإمارات لا تعمل بشكل تقليدي، ولذا عندما نقول إن هناك "خصوصية" للنموذج الإماراتي، فنحن نقصد أن الخصوصية لا تقتصر على مجال دون الآخر، فهي تشمل قيم العمل والتخطيط والقيادة في المجالات كافة، بل هي تشمل أيضًا علاقة المواطنين بقيادتهم والعكس، وهي علاقة فريدة ومتماسكة بشكل لا يدركه سوى من لامس عن قرب الوشائج القوية التي تربط مواطني الإمارات بدولتهم وقيادتهم.
وهذا النمط من القيادة الاستثنائية نجده أولا في علاقة الاحترام والود القوية بين أصحاب السمو حكام الإمارات، ونجده في مواقف لا تنسى لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وباني نهضة أبوظبي الحديثة وحامل مفاتيح دخولها للقرن الحادي والعشرين بهذا الكم الهائل من عوامل ومقومات القوة والثقة والثبات.
هذه الاستثنائية في نمط القيادة هي التي تفسر كثير من المواقف، فالقيادة في الإمارات لا تتباهي بقدراتها الفذة ولا إبداعاتها الخارقة، بل تقول كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "إننا نرفع هاماتنا عاليًا بمواقف شعبنا المشرفة وبتضحيات شهدائنا الغالية، وبعطاء أبناء الوطن في كل الميادين"، فهي قيادة تفخر بعطاء الشعب وتتخذ من مواقف مواطنيها نبراسًا لها، فكان هذا التلاحم الوطني المتجذر نتاجًا طبيعيًا لذلك.
الأحلام والطموحات في الإمارات إذًا لا تتوقف، ولا تحلق أيضًا من دون أجنحة بل سرعان ما تهبط على أرض الواقع للتنفيذ، وتحل محلها أحلام وطموحات جديدة، فلم يكن أحد من الخبراء منذ عقود مضت يصدق أن الإمارات قادرة على التخلي عن الاعتمادية الهائلة على المداخيل النفطية، ولكن هذا الطموح بات حقيقة، ونجحت سياسة التنويع الاقتصادي، ولم يعد النفط يشكل سوى 30% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المحلي، ومن نجح في تحقيق هذه المعادلة الصعبة فليس من الصعب عليها استكمالها.
لدينا في الإمارات ـ ولله الحمد ـ آبار ثروة متجددة قادرة على رفد شرايين هذا الاقتصاد بمقومات نمو جديدة، فقد علمتنا القيادة الرشيدة ألا ننتظر الفرص بل نسعى إليها، وهذه الروح الوطنية الوثابة تلحظها بسهولة في حديث كل فتى إماراتي واعد تشع عيناه ببريق الأمل، ويسابق الزمن كي ينخرط مع إخوانه المواطنين والمواطنات في حمل مسئولية بناء هذا الوطن، وما نجده من تسابق أبناء الوطن في الالتحاق بالخدمة الوطنية، وغير ذلك هو أحد تجليات فكرة الوطنية التي اكتسبت مذاقًا خاصًا في الإمارات، وتحولت إلى قيمة حقيقية تمشي على الأرض.
وليس رياءً أو نفاقًا القول إن القيادة الرشيدة في الإمارات هي من ضخت كل هذا الكم الهائل من شحنات الوطنية في أرضنا الطيبة، فما يحصده المواطنون والمواطنات من ثمار التنمية وحصاد الثروة يفرز بدوره إحساسًا عميقًا بالارتباط بالأرض والوطن والقيادة، التي تسهر على مصالح شعبها وتضعه في صدارة الاهتمام، وتعتبره أولوية مطلقة لها.
التخطيط في الإمارات ليس شعارات جوفاء تتردد في فضاء خال، بل أرقام وإحصاءات يعمل الجميع على ترجمتها على أرض الواقع، فهناك رؤية مستقبلية واضحة للإمارات في 2021، وهي رؤية تنموية طموحة للغاية، تستهدف أن تكون دولة الإمارات من بين الدول العشر الأفضل في العالم في نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، وأن تكون دولة الإمارات من بين الدول العشر الأوائل في العالم على مؤشر التنافسية العالمية، وأن تكون دولة الإمارات من بين الدول العشر الأفضل بالعالم في مؤشر الابتكار العالمي، وأن تصل نسبة «عاملي المعرفة» إلى 40 % من إجمالي العاملين في الدولة، وأن ترتفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير لتصل إلى 1.5 % من مجمل الناتج المحلي الإجمالي.
هذه المؤشرات وغيرها تترجم الطموح وتحوله إلى أرقام وإحصاءات قابلة للقياس والرصد والمتابعة، وهذه هي أحد أسرار القيادة والريادة الحقيقة، فالأخذ بأسباب العلم والتقدم هو ما يصنع الفارق بين الإمارات وغيرها.