مرض «التقاعد» يصيب كبار السن
تختلف سن التقاعد في كل بلد عن الآخر، ولكن لا تختلف الأعراض النفسية والصحية التي يتعرض لها كل من اقتربت سنه من التقاعد أو تقاعد بالفعل.
وفي هذا الصدد برزت العديد من الدراسات المشاكل النفسية التي تواجه المتقاعدين، والمتمثلة في التخوف من الدخول إلى مرحلة الشيخوخة وآثارها ومتطلباتها، الشعور بالدونية والتهميش، والتفكير في خسارة المكانة الاجتماعية التي كان يشغلها بمركزه الوظيفي، وفقدان الكثير من الأدوار والمزايا المرتبطة بالعمل، فضلًا عن مشاعر القلق والاكتئاب، والفراغ الذي يشعره بالوحدة والعزلة مما يصيبه بنوع من الملل.
فيما وجدت دراسة بريطانية، قادها فريق بحث من معهد الطب النفسي بكلية الملك بجامعة لندن، ونشرت حصيلتها مؤخرًا بدورية "المجلة الدولية لطب الشيخوخة النفسي"، ارتباطًا بين تأخير التقاعد من العمل وتأخر ظهور أعراض مرض الزهايمر«خرف الشيخوخة»، وأن الاستمرار في العمل بعد سن التقاعد يسهم في تجنب المرض، بحسب صحيفة الجارديان.
فإبقاء العقل نشطًا في وقت لاحق من العمر، تقلل من فرص الظهور المبكر لمرض الزهايمر، بحسب دراسة شارك فيها 382 رجلًا من الذين تحتمل إصابتهم بالمرض، حيث وجد الباحثون ارتباطًا ظاهرًا بين التقاعد المتأخر وتأخر ظهور أعراض المرض.
دفع الأمر بعض الدول أن تقترح طرق علاجية للحد من الوقوع في المشاكل النفسية بعد التقاعد ومن بين هذه الطرق، «التقاعد المرحلي»، بتقليل ساعات وأيام العمل قبل عامين من التقاعد وتهيئته نفسيا لدخول هذه المرحلة.
والعمل على تكريم هؤلاء المتقاعدين يوم خروجهم وعدم نسيانهم واستشارتهم عند الحاجة أو تكليفهم بأمور ربما خارج مكان العمل، فضلًا عن نشر ثقافة مرحلة التقاعد بتوضيح أن التقاعد ليس نهاية الحياة وفتح جمعيات خاصة بإعانة الفرد نفسيا عند هذه الفترة.
وركزت الأبحاث والدراسات على دور الأسرة رعاية الأفراد عند فترة التقاعد فهي الملجأ الأول، لإخراجه من الأزمات التي يمر بها فينبغي على الأُسرة أن تُراعي أن هذا المُتقاعد يحتاج إلى شيءٍ من اللطف في التعامل، والدعم النفسي الأُسري لغرض امتصاص بعض التوتر الذي يُعاني منه المتقاعد في هذه المرحلة الانتقالية عن طريق العمل على عدم إشعاره بالفراغ.
وأن يحرص أفراد الأُسرة من الأبناء والبنات والأحفاد والأقارب على الإكثار من السؤال عنه والتقرب منه، زيارته قدر المُستطاع، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن لمثل هذا السؤال ونحوها من الزيارات وقعًا طيبًا، وأثرًا فاعلًا في نفس المُتقاعد، ولاسيما إذا كان ممن يُعانون من بعض المتاعب الصحية.
لا بد من التعامل معه خلال هذه المرحلة الجديدة على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية لإشعاره أن دوره لم ينته، أنه لا يزال قادرًا على العطاء.
تؤكد دراسة أمريكية جديدة نشرتها "الدورية الدولية للصحة المهنية" أن الأشخاص الذين يعملون بعد سن التقاعد يتمتعون بصحَة أفضل مقارنة مع غيرهم من المتقاعدين، ويقي من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل ضعف الذاكرة، وأمراض القلب والسكتات الدماغية، ومن الجانب النفسى يساعد على استمرار التواصل الاجتماعى، ويحافظ على الإحساس بالأهمية والهوية.
وتقول الدراسة التي صدرت عن الرابطة النفسية الأمريكية: إن الأفراد الذين يعملون بعد بلوغ سن التقاعد في مهن مؤقتة أو وظائف تتطلب العمل بدوام جزئي يعانون، بدرجة أقل، من المشكلات الصحية ويتمتعون بحيوية أكبر مقارنة مع المتقاعدين الآخرين.
توجد مجالات كثيرة يمكن الاستفادة من تجارب خبرات المتقاعدين.
والمستشارون هم آخر من يتقاعد وكلما زاد عمره كان أوفر حظًا في الاستفادة من خبراته، لذا المستشارون يستفيدون منهم في الغالب بعد التقاعد.
وفتح المجال للمتقاعد على إعطاء الدروس في الجامعات والكليات والمدارس حسب التخصص ولو راتب رمزي، طالما هو في صحة وقدرة على العمل التدريسي.
فبعض المتقاعدين الذين لهم خبرة طويلة في التدريس والتدريب يمكن الاستفادة منهم في مجال التدريب، خاصة الذين يجددون نشاطهم ومعلوماتهم.
وفتح أبواب أعمال التطوع على مستوى المؤسسات الحكومية والأهلية، الخاصة المتقاعدين، ولعل هذه الأعمال تنمي ملكة الابتكار لهؤلاء المتقاعدين الإشراف على عمال نظافة الشواطئ، والخدمة في المؤسسات الخيرية وغيرها، وقد أنشئت في الولايات المتحدة جمعية المتطوعين المتقاعدين ويعملون في التعليم والتدريب ومساعدة كبار السن في بعض القضايا ومتطوعين في المستشفيات والمصحات والمكتبات.
وتشجيع المسنين على مزاولة بعض الحرف المهنية المناسبة لهم في المنزل وتوفير ما يلزمهم من المواد الخام، أو فتح ناد للمسنين يمارسون هوايات الزخرفة والنحت والرسم والكتابة والغزل والنسج، بيع للزهور وتصميم الإكسسوارات