رئيس التحرير
عصام كامل

ثقافة السمع والطاعة.. والثقة بالقيادة!


لجماعة الإخوان مجلس شورى عام، لكن تركيبته وطريقة اختياره وأسلوب أدائه لا يمكن أن تؤدى إلى شورى حقيقية..وعلى النقيض، تمثل ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة الركن الأصيل والمعتمد لدى الجماعة..وقد لعبت سيطرة هذه الثقافة أخطر الأدوار في حياة الجماعة، خاصة في المواقف التاريخية الحرجة، وكانت سببا في الصدام الذي كان يقع بينها وبين أنظمة الحكم القائمة..


ولاشك أن فشل الجماعة وسقوطها على النحو المزرى الذي رأيناه خلال العامين الماضيين، سواء فيما يتعلق بالكذب على الجماهير بخصوص نسبة المشاركة في الترشح للمجلس النيابى أو الترشح لرئاسة الدولة، أو الفشل في إدارة شئون البلاد، أو في إدارة الأزمة عقب الثورة عليهم والإطاحة بحكمهم، أو الانزلاق إلى هاوية العنف والفوضى، أو الاستقواء بالأجنبى في محاولة انهيار الدولة وهدم أهم مؤسساتها، أقول كان سببه غياب الشورى الحقيقية داخل الجماعة من ناحية، وسيطرة ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة من ناحية ثانية.

لقد تم اختزال الجماعة (مئات من الالوف) في بضعة أفراد يشكلون "مكتب الإرشاد" الذي تم اختزاله هو الآخر في فرد أو فردين، فما يقولانه هو القول الفصل الذي لا تعقيب عليه ولا راد له..أما الأفراد، فمهمتهم الأولى السمع والطاعة والثقة في القيادة، ينحازون إليها اقتناعا أو مزايدة أو مداهنة..إذا قالت القيادة وجهتنا هي الشرق، ردد الأفراد ذلك وقالوا هذا عين الصواب ومنطق العقل والحكمة..وإذا غيرت القيادة رأيها ولو بعد ٢٤ ساعة وقالت وجهتنا هي الغرب، ردد الأفراد ذلك، بل قالوا هذا عين الصواب ومنطق العقل والحكمة..لا أحد يفكر أو يعى..

لا أحد يناقش أو يسائل: لم كان هذا، ولم كان ذاك؟ وإذا تجرأ أحدهم وهم بفعل ذلك، فقد أساء - أيما إساءة - للمبدأ الأصيل وهو السمع والطاعة والثقافة في القيادة، وبالتالي فقد حكم على نفسه بالطرد من "جنة الرضا"، وبعدها من "جنة الجماعة"!!
الاستبداد هو الوجه الحقيقى لثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة بالنسبة للجماعة، لكنه يختلف عن استبداد الحكام في دول العالم الثالث، هو أشد وأنكى، لأنه مرتبط بالدين..فالفرد، خاصة إن كان على اقتناع، يفعل ذلك وهو يعتقد أنه يتقرب به إلى الله..هو الطريق إلى الفوز بجنته ورضوانه..أما من يفعل ذلك مزايدة أو مداهنة، فلمصلحة مادية أو معنوية ينشدها.

والعجيب أن القيادة المستبدة ترى في ذلك تمام التوفيق والنجاح في ضبط إيقاع حركة الأفراد وفق ما تريد من ناحية، وشعورا بالسعادة الداخلية لا يقاوم من ناحية أخرى.. بالطبع هذا ما كان يستهدفه نظام مبارك ونجح فيه أيما نجاح..ولنا أن نفهم - إذن - لماذا كان يترك للجماعة مساحة تتحرك فيها؟!..الجواب: لأنه يعلم أنها جماعة "منضبطة"، أو بمعنى أدق كتلة صماء تدين بهذه الثقافة لبعض قياداتها، وبالتالى فهو إذا تحكم في هذه القيادات، فإنه يتحكم في الجماعة كلها..

الكارثة وقعت عندما أصبح فرد في هذه الجماعة رئيسًا لدولة بحجم أو وزن مصر..صحيح أنه كان عضوا بمكتب إرشادها ورئيسا للحزب الذي يمثل ذراعها السياسية، لكنه في النهاية كان فردا ينتمى لجماعة تمثل ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة أهم خصائصها..ولك أن تتخيل معى عزيزى القارئ رئيس دولة يأخذ تعليماته وتوجيهاته، بل أوامره من قيادة في الجماعة..لذلك كانت الجماهير واعية ومدركة حقيقة الوضع المأساوى الذي وضعت فيه مصر عندما رفعت شعار "يسقط..يسقط حكم المرشد"، لأن الذي كان يحكم مصر لم يكن "محمد مرسي"!!!
الجريدة الرسمية