رئيس التحرير
عصام كامل

انعدام ثقافة الإتقان. .والصيانة


في يناير ٢٠١٤، قمت برحلة إلى ماليزيا وسنغافورة.. هالنى وأذهلنى وأدهشنى ما رأيت من جمال وروعة ونظام ونظافة ودقة وإتقان.. لا يوجد سنتيمتر مربع دون توظيف أو استثمار.. كل شيء حولك عبارة عن لوحة فنية، أبدعها فنان تشكيلى موهوب أو عبقري.. انضباط كامل على كل المستويات؛ في الفندق، والشارع، والمؤسسات، والمنتزهات..إلخ. كل ذلك تم في فترة زمنية محدودة، لكنه يشهد على الهمة والعزم والإرادة والتخطيط والإدارة والعمل والإتقان..


في مصر القضية مختلفة.. أوضاع لا نحسد عليها.. دعك من حكاية الـ ٧٠٠٠ آلاف سنة، وأننا الذين علمنا العالم، وأننا نحن المصريين الذين "دهنا الهوا دوكو" و"خرمنا التعريفة".. إلخ. كفانا ضحكا وخداعا وتغريرا، ولنسأل أنفسنا: أين نحن الآن من العالم؟ الحقيقة أننا في حالة لا يرثى لها.. انفلات، وفوضى، وتخلف، والذي ينظر إلينا - ودون حاجة إلى بذل جهد - يجد حالنا يصعب على "الكافر".. نحن في الواقع في أمس الحاجة إلى إعادة بناء وتشكيل وصياغة لحياتنا، وطريقة تفكيرنا، ورؤيتنا لكثير من الأمور، وهو ما يلقى بمسئولية ضخمة على الرئيس السيسي..

خذ مثلا ثقافة الصيانة الدورية لأشخاصنا وأشيائنا وحاجاتنا..غياب شبه كامل، مع أنه دونها يمكن أن تتوقف الحياة في أي لحظة..ورغم أهميتها القصوى، إلا أننا لا نعرف طريقها، ولا نهتم بها ولا نلقى لها بالا إلا بعد أن تقع "الفأس في الرأس"..حينذاك، وحينذاك فقط يبدأ التفكير والتحرك..الواحد منا لا يذهب إلى الطبيب لعمل صيانة دورية على بدنه، إلا إذا "طب ساكتا".. قد يكون السبب قلة المال، أو عدم وجود تأمين صحى، أو عدم توافر إمكانات من الدولة داخل المستشفيات.. القطاع الصحى نفسه، إدارة وأطباء وأجهزة ومعدات ومبان يفتقد إلى الصيانة الدورية!

البعض منا لا يذهب إلى الطبيب مخافة أن يجد شيئا ينغص عليه عيشته، ويفضل أن يقضى البقية الباقية من حياته في صمت إلى أن يحمل إلى مثواه الأخير.. ولأن الظروف التي نعيشها الآن تشكل علينا ضغوطا شديدة نفسية وعصبية، فالبعض منا - لا أقول الكثير - وأقع أسيرا للاكتئاب والاضطرابات النفسية.. لكن ليس لدينا استعداد للذهاب إلى الطبيب النفسى، وإذا ذهبنا فليكن ذلك سرا، حتى لا يقال عنا إننا مجانين أو مختلون عقليا..

من لديه سيارة، لا يقوم بعمل الصيانة اللازمة لها..لا يفكر في ذلك إلا حين تتوقف في منتصف الطريق، وفى عز الزحام.. ناهيك عما تحدثه من صخب وضجيج وتلوث، و"المشرحة مش ناقصة قتلى"..

حمام البيت، وما أدراك.. تسرب مستمر للمياه من الصنابير، ومحابس الشطافات، وكيعان الأحواض، وتوصيلات الصرف الصحى.. إلخ.. مع ذلك، لا يتحرك أصحاب البيت لإجراء صيانة دورية لها، ربما زهقا ومللا وقرفا وقلة حيلة.. فحال عمال السباكة والصرف الصحى والكهرباء والمياه.. إلخ، مزر ويدعو للخجل والشفقة والرثاء.. هم جزء من هذا المجتمع.. وإذا حدث أن استدعيت أحدهم، فلن تستدعيه مرة أخرى.. والنتيجة، أنه بعد "ن" من السنين تضطر إلى تنفيذ الحكمة الشهيرة "انسف حمامك القديم".. ويومها سوف تتكلف الكثير مما ينوء به ظهرك، هذا إذا كان لديك ما تنفقه..

لن أتحدث عن محطات الكهرباء والمياه، والكثير من المصانع، وما تحتاجه من صيانة وإحلال وتجديد.. ولن أتحدث عن القطارات وحالها المزرى، وشبكة الطرق - باستثناء ما أنشأته القوات المسلحة - التي أصبحت في حالة سيئة.. ولن أتحدث عن العشوائيات وما بها، لكن انظر إلى الشوارع والميادين والحدائق العامة في القاهرة.. تلال من القمامة وأكوام من الزبالة.. هل تتصور أنه لا توجد دورات مياه عامة في قلب القاهرة؟ وإن وجدت، فالناس يفضلون قضاء حاجتهم خارجها، وهو ما يحدث فعلا!
الجريدة الرسمية