رئيس التحرير
عصام كامل

الأبيض والأسود


غريب أمر الكُتاب.. البعض منهم يسعون في كتاباتهم ورسائلهم لاسترضاء القراء أو استجلاب إعجابهم، بينما البعض الآخر يحاول انتقاء الموضوع والألفاظ، تجنبا أو خوفا من نقدهم وغضبهم.. وقد لاحظت كما لاحظ غيرى كما من البذاءات والشتائم التي تتعدى وتتجاوز كل الحدود، في التعليقات على الكثير من المقالات التي تنشر في المواقع الإلكترونية للصحف، أو في صفحات التواصل الاجتماعى..القليل والقليل جدًا من الكتاب هم الذين لا يلقون بالا أو اهتماما بكل هذا، سواء كان رضا أو سخطا، مدحا أو ذما.. هؤلاء يحاولون التعبير عما يجول بخواطرهم أو أفكارهم أو قناعاتهم بغض النظر عن صوابها أو خطئها..

المتأمل لكثير من الكتاب هذه الأيام يجدهم على فئتين؛ فئة تكيل "زكائب" من المديح للرئيس السيسي وعظمته وروعته وعبقريته، وأنه رجل المرحلة وهبة المولى سبحانه لمصر، وأنه لولاه لصارت خرابا يبابا.. هذه الفئة على استعداد لأن تتغافل أو تتناسى أو تغض الطرف عن أي خطأ أو تقصير، وهو ما لا يخلو منه أي إنسان.. وفئة لا ترى في الرجل إلا مجموعة من النقائص والثغرات، وأنه لم ولن يقدم لمصر شيئا.. هذه الفئة ربما تفعل ذلك عن قناعة لديها، وربما أملا في حيازة نوط الشجاعة والبسالة والإقدام عند بعض القراء.. بالطبع هناك فئة أو فئات بين هذه وتلك، وهذه بدلا من أن تصب جام غضبها على الرئيس، فهى تفعل ذلك تجاه رئيس الحكومة أو الحكومة أو أي وزير، أو أن تختار قضية أو قضايا خارج التاريخ والجغرافيا.

والواقع، في تصورى، أن الرئيس السيسي لا هذا ولا ذاك، والمسألة ليست أبيض أو أسود، وإنما هي منطقة رمادية بينهما.. هو بالقطع يتمتع بإرادة قوية، وقدرة وشجاعة في اقتحام المشكلات، ولديه رؤية استراتيجية.. لكنه لا يستطيع أن يعمل بمفرده، ولا أن يحقق إنجازات كبرى دون مؤسسات وأجهزة معاونة على مستوى التحدى.. ومن هنا يسند الرجل ظهره، بالأساس، على المؤسسة العسكرية.. الرئيس السيسي، شأن أي قيادة في مصر، لها إيجابياتها وسلبياتها.. قد نختلف في تقديرنا حول كم ونوعية كل من الإيجابيات والسلبيات.. المهم كيف يعظم الرجل من إيجابياته، ويقلل ما أمكن من سلبياته.. 

المهم أيضا أن يظل الشعب يقظا ومنتبها، راصدا ومراقبا، متابعا ومحاسبا لكل ما يجرى.. لكن يجب ألا ننسى أننا أمام تركة خربة في كل مجال وميدان، ويكفى ما قام به مبارك خلال ٣٠ عاما من تخريب للعقل المصرى.. ناهينا عن تحدى العنف والإرهاب وإثارة الفوضى.. لذا فإن مصر تحتاج حلولا غير تقليدية أو غير نمطية، ومن قبل ذلك وبعده همم الرجال وعزائم الأبطال وأخلاق الفرسان.

المزاج العام المصرى ليس على ما يرام.. فيه من العلل والأمراض ما لا يخفى علينا، ومن ثم يجب ألا يخضع الكاتب لهذا المزاج، وإلا صار جزءا منه.. الكاتب لا يجب أن يكون منعزلا عن الشعور بمعاناة مجتمعه، لكنه يختلف في قدرته على التعبير عن هذه المعاناة.. واجبه الأول هو طرح رؤاه تجاه القضايا الكبرى التي تمر بالبلد.. أن يكون ضوءا ينير الطريق، أو شعاع أمل يبدد ظلام الإحباط واليأس.. ولا يتم ذلك إلا بكاتب يستلهم مواقفه وأفكاره من ضميره الواعي والصادق، لا يريد من وراء ما يكتب إلا مصلحة وطنه ومجتمعه.. كاتب لديه شجاعة التحدى، لا يبتغى من وراء كتابته منصبا أو جاها، يقول كلمته ويمضى، ولا يخشى في الحق لومة لائم.
الجريدة الرسمية