رئيس التحرير
عصام كامل

فكر التكفير والخوارج الجدد


دعونا نؤكد في البداية أن الأصل الذي تقوم عليه أعمال العنف والاغتيال والإرهاب التي تجرى هذه الأيام باسم الإسلام، هو فكر التكفير، والذي يعود في الأساس إلى فكر الخوارج أيام الإمام على رضى الله عنه.. فقد كانت الغالبية العظمى من هؤلاء من أعراب البادية حيث البيئة الصحراوية القاسية والجبلية الوعرة، والتي أكسبتهم حدة الطباع وخشونة التعامل والحماس الجارف، علاوة على التسرع في إبداء الرأى والتطرف فيه إلى حد تكفير المخالفين وقتل النساء والأطفال، فضلا عن التملل من الخضوع للسلطان والحكم المركزى..

في كتابه "نظام الخلافة في الفكر الإسلامي"، يقول د. مصطفى حلمى: "فإنكار الخوارج للتحكيم وتكفيرهم "على" نتيجة لهذا يرجع إلى أنهم كانوا أعرابا قرأوا القرآن حقًا، ولكنهم لم يتفقهوا في السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن أحد منهم من الفقهاء المعروفين في ذلك الوقت لتبصيرهم بما خفى عنهم من دقائق الفقه".. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا على درجة من الزهد والورع إلى درجة لا تصدق.. 

والحقيقة أن مقدمات هذا النمط الفكرى ظهرت على عهد النبى صلى الله عليه وسلم..
فقد جاء أحد الأعراب إلى النبى عندما كان يوزع الغنائم وزاد المؤلفة قلوبهم في العطاء، فقال الأعرابى (مستنكرا): يارسول الله اتق الله، قال: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله يصلى.. ثم قال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" (صحيح مسلم).. 

وفى رواية أخرى، قال الأعرابي: يا رسول الله اعدل. قال رسول الله: ويلك! ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لى فيه أضرب عنقه. قال رسول الله: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" (صحيح مسلم).

وكما أن للبيئة تأثيرها، إلا أنه من المؤكد أن الخصال النفسية للفرد تلعب دورًا كبيرا في قبول وتبنى فكر التكفير، كعشق الذات، وجيشان العاطفة، والمزاج العصبى الحاد.. أضف إلى هذا سطحية الفكر وقلة العلم وضحالة الفقه.. وهذا واضح من خلال ما نراه على الساحة الآن؛ في جماعات التكفير الموجودة في سوريا، والعراق، وليبيا، وسيناء..

وقد أدى غياب دور الأزهر بوسطيته واعتداله، إلى ظهور وبروز دعاة وجماعات لها خطابها الذي يفتقر إلى هذه الوسطية.. وهذه استطاعت أن تجتذب بعض الشباب المتحمس وأن تشكل وعيه وتصوره بطريقة مغلوطة ومشوهة.. وغنى عن البيان أن الشباب في أمس الحاجة لمن يأخذ بيده إلى الطريق الصحيح، وأن يبسط أمامه الكثير من القواعد والأصول الفقهية، كفقه الواقع، والأولويات والتوازنات، والمالات، وأن يشرح له ما هو المقصود من بعض المصطلحات التي تروج لها هذه الجماعات مثل: التكفير، والحاكمية، والجاهلية.. وهل هناك تناقض بين الإسلام والوطنية، والقومية، والديمقراطية أو لا؟ 

ولا ينبغى أن ننسى أن الاستبداد والفساد الذي تمارسه بعض أنظمة الحكم العربية قد سهل كثيرًا لهذه الجماعات إغراء هؤلاء الشباب للوقوع في براثن فكر التكفير، كما تمثل الصراعات العرقية والمذهبية إحدى أهم البيئات الحاضنة والجاذبة له.. لذا أقول: إن اقتلاع الإرهاب من جذوره لن يتم إلا بالتصدى العلمى والمنهجى لفكر التكفير، وهذا هو دور أهل العلم والاختصاص في الأزهر الشريف.
الجريدة الرسمية