رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا جرى للإخوان؟!


قبل ثورة ٢٥ يناير، لم يكن الإخوان يعتقدون -على الأقل في المستقبل المنظور- أنهم سوف يقتربون -مجرد اقتراب- من هرم السلطة في مصر.. كان الأمر بالنسبة لهم خيالا وحلما بعيد المنال.. في هذه الفترة المهمة من تاريخهم، كانوا يتحلون بصفات طيبة ومحببة، يأتى على رأسها في الجانب الأخلاقى: السماحة ولين الجانب ورقة العاطفة.

وفى الجانب السياسي، كانوا يتبنون مبدأ المشاركة لا المبالغة، وسلمية التغيير والبعد الكامل عن العنف، فضلا عن الحرص على خطب ود الأحزاب رغم ضعفها وانكسارها، وعدم التصادم، بل مهادنة النظام الحاكم رغم قسوته وعنفه وفساده..إذ في الوقت الذي كان يصدع فيه رموز "كفاية" بهتاف "يسقط.. يسقط حسنى مبارك"، كان الإخوان يرون ذلك نوعًا من الخبل وضربا من الجنون، وبالتالى يعتبرونه حدًا فاصلا في المشاركة معهم أو مع غيرهم.

ولا شك أن التظاهرات التي كانت تقوم بها "كفاية" في ذلك الوقت مثلت حرجا بالنسبة للإخوان أمام قواعدهم.. أذكر جيدا أن أحد رموز مباحث أمن الدولة آنذاك قال: في اللحظة التي تصل فيها "كفاية" إلى الألف، سوف نبدأ في التعامل معهم.. كانت قضية "كفاية"، كما يتضح من التعبير، تتلخص في رفض ترشح "مبارك" لفترة خامسة ورفض التوريث أيضا، فكفى من "آل مبارك ما كان"، وكان الشعار المرفوع "لا للتمديد..لا للتوريث".

من جانبى، كنائب أول للمرشد، كنت رافضًا التوريث وأعلنت ذلك بكل صراحة ووضوح، وهو ما جعل نظام "مبارك" يرى في وجودى على رأس الإخوان مصدر قلق وإزعاج، أو بالأحرى شخصًا غير مرغوب فيه أو غير مرتاح إليه.. وفى يناير عام ٢٠١٠، جاءت القيادة الجديدة للإخوان وعلى رأسها الدكتور بديع، أذكر جيدًا أن الرجل قال في حفل تنصيبه مرشدا عاما إنه لا مانع لدى الإخوان من ترشيح "الوريث" جمال مبارك لانتخابات الرئاسة(!)، وإنه لا توجد مشكلة بين الإخوان ونظام الحكم(!)

بعدها بشهرين تقريبا قال في أحد البرامج الحوارية إن "مبارك" هو "أب" لكل المصريين(!).. في ٢٥ يناير ٢٠١١، تلكأ الإخوان إزاء المشاركة في البداية، لكن الوضع اختلف في ٢٨ يناير، وما بعده.. مع الثورة، انكشفت سوءة النظام الحاكم واختفى حزبه، كما ظهر ضعف الأحزاب بأجلى وأوضح ما يكون..

ولم يكن لدى الشباب الثورى أي قيادة أو خطة أو منهج لتحقيق الأهداف الكبرى التي دعت إليها الثورة.. للأسف لم يكن هناك وعاء يجمعهم وينظم صفوفهم، فضلا عن داء حب الظهور والزعامة الذي تفشى فيهم.. ومن ثم، طاشت أحلامهم، وتبددت طاقاتهم، وتقطعت أوصالهم، وذهبت ريحهم.. لولا القوات المسلحة، لكان للتاريخ مسار آخر.. على المستوى السياسي، لم يكن في الساحة غير الإخوان..

وبالرغم من العيوب الكثيرة داخل تنظيمهم، فإنه كان التنظيم الوحيد المتماسك من حيث الهياكل التنظيمية والإدارية واللجان النوعية التي تدين بمبدأ السمع والطاعة والثقة في القيادة.. وبدلا من أن تنتهز قيادة الجماعة فرصة الحرية التي حققتها الثورة في إزالة كل مظاهر الخلل بين صفوفها وإعادة بنائها الداخلى، بما يتناسب وطبيعة المرحلة، إذا بها تضرب صفحًا عن ذلك وتخوض لجج بحر السياسية بكل ما فيه من ألغام وفخاخ..في البداية، كان العزم على عدم الترشح لرئاسة الجمهورية، والمنافسة على ٣٠٪ من مقاعد المجلس النيابى، لكن ما حدث على أرض الواقع كان له مسار آخر، هو موضوع حديثنا القادم إن شاء الله.
الجريدة الرسمية