رئيس التحرير
عصام كامل

عن الحرية أتحدث


الحرية تاج على رءوس الأحرار، لكن لا يحسها ولا يشعر بقيمتها العبيد، خاصة أولئك الذين ألفوا الذل والهوان، واستمرأوا البقاء في ظلمها.. الحرية للأحرار كالدم في العروق، هي الماء والهواء الضرورين لاستمرار الحياة.. غير أنها -شأن أي كائن- في أمس الحاجة إلى الماء والهواء، والشمس أيضًا، حيث تنمو وتترعرع وتورق وتثمر.. ومع كل مرحلة، تزداد جذورها في التربة عمقًا وتشعبًا..هذه هي شجرة الحرية.

في الوقت ذاته، لا حرية دون مسئولية، كما أنه لا توجد حرية مطلقة، وإلا صارت فوضى.. حريتك تنتهى عند الحد الذي تبدأ عنده حرية الآخرين.. لها مساحاتها التي تعمل فيها بما يعود بالنفع عليك وعلى المجتمع، كما أن لها قيودها التي تختلف من بلد إلى آخر، فالحرية في أمريكا، غيرها في بريطانيا، أو فرنسا، أو ألمانيا، أو السويد، وهكذا، وذلك تبعًا للخصوصية الثقافية للشعوب ولتراثها الحضارى.. وتعتبر الحرية أساس الشورى والديمقراطية، وهى الناتج الحقيقى لكليهما..

إن الحرية تاج على رءوس الأحرار، لا يحسها إلا الأحرار، حتى وإن سلبت منهم مؤقتًا، بسبب دفاعهم عن القيمة والمبدأ، أو عن الحرية ذاتها.. هم يدركون قيمتها لأنفسهم ولغيرهم، وللأجيال التي تأتى من بعدهم.. من سماتهم إنهم ثابتون على مبادئهم، لا يتحولون عنها ولا يساومون عليها.. كما أنهم لا يطمحون لمغنم شخصى أو مصلحة ضيقة، وإنما كل عملهم وجهدهم لرفعة وطنهم وإعلاء شأن أمتهم..

وإذا كان الرئيس السيسي يريد بناءً حقيقيًا وصلبًا لمصر، فعليه بالأحرار أن يكونوا عقله، وفكره وسواعده.. هم البناة الحقيقيون للنهضة، والتقدم، والازدهار، فالابتكار والإبداع قرينان للحرية، إذ محال على العبيد أن يبتكروا ويبدعوا.. إن الرئيس الباحث عن استقلال بلاده، لابد أن يسعى لبناء مواطنين أحرار، ثقافة وأخلاقًا وسلوكًا؛ لأنه لا حرية ولا استقلال لوطن يسكنه العبيد.

الأحرار لا يعرف الخوف طريقًا إلى قلوبهم، يحملون رءوسهم على أكفهم، يقفون ببسالة وبطولة في مواجهة الطغاة والفراعين.. هم يعشقون الحياة، لكنهم إذا خيروا بين العيش الذليل والموت العزيز، فإنهم يختارون الأخير، بل إنهم يستعذبون الموت من أجل أن تحيا أوطانهم حرة أبية، مرفوعة المهمة.. هؤلاء لا يستطيعون أن يعيشوا إلا أحرارًا..

في قصيدته "نكبة دمشق"، يقول شوقى يشحذ همم السوريين وهم يواجهون القصف الدامى من المحتل الفرنسي:
(وقفتم بين موت أو حياة فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق)

نريد أن نعلم أولادنا أن الحرية عزة وكرامة وشجاعة وشرف ومروءة ونخوة ورجولة، وأن الدفاع عن حرمة الوطن وكرامة الإنسان -أيا كان دينه أو جنسه- هو جزء أصيل في هذه الحرية.. إن ما حدث في ميدان التحرير هو اعتداء بشع على كرامة المصريين جميعًا، والذين سولت لهم أنفسهم القيام بذلك كانوا في غاية الوضاعة والخسة والدناءة والخيانة والجبن والانحطاط.

لابد من تشريع خاص لمواجهة مثل هذه النوعية من الجرائم، ولابد أيضًا من عدالة ناجزة تحقق الردع لأمثال هؤلاء المجرمين، وبما يجعلهم عظة وعبرة لغيرهم.. ولابد كذلك من تهيئة كل السبل للأجهزة الأمنية للقيام بدورها في الحفاظ على حياة المواطنين وأعراضهم وأموالهم.. ثم ضرورة مراجعة إعلامنا وثقافتنا وخطابنا بما يحقق المناخ الصحي لعدم انتشار هذه الظاهرة القاتلة..
الجريدة الرسمية