رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. لأول مرة آلاف الأتراك يصلون الفجر أمام "آيا صوفيا" بعد 79 عاما.. الجامع تحول من كاتدرائية "بيزنطية" لمسجد "عثماني".. "أتاتورك" منع الصلاة فيه وحوله لمتحف.. و15 مليون توقيع لإعادته مسجدا

فيتو

أدى آلاف من المسلمين صلاة الفجر يوم السبت الماضي أمام متحف "آيا صوفيا"، بعد حظر دام عقودًا، مطالبين حكومة "رجب طيب أردوغان" رئيس الوزراء التركي بإعادة المتحف إلى مسجد، وهتفوا: "اكسروا السلاسل وافتحوا مسجد آيا صوفيا" و"الله أكبر" قبل أن يؤدوا الصلاة.

يأتي هذا لأول مرة بعد مرور 79 عامًا، على إصدار "مصطفى كمال أتاتورك" قانون بتحويل المسجد إلى متحف عام 1934، ومنع إقامة الشعائر الدينية فيه.

آيا صوفيا.. البداية كنيسة 

على أنقاض كنيسة شيدها الإمبراطور قسطنطين العظيم واحترقت في أعمال شغب، بنى الإمبراطور جوستنيان كنيسة آيا صوفيا على الطراز البازيليكي المقبب، ويبلغ طول هذا البناء الضخم 100 متر وارتفاع القبة 55 مترًا.

كلف جوستنيان المهندسين المعماريين "ميلتوس" و"أثميوس"، وهما من آسيا الصغرى، ببناء هذا الصرح الديني الضخم في النصف الثاني من عام 532 وانتهى العمل فيه عام 537.

جلب جوستنيان أحجار فناء الكنيسة والأعمدة والرخام والبازلت والغرانيت من مصر وبعلبك وأوبْوا وأثينا وروما، وأنفق عليها 360 مليون فرنك ذهبي واستخدم في بنائها 10 آلاف عامل، حتى قيل: "لم يشهد التاريخ مثل هذا البناء منذ آدم، ولا يمكن تشييد أي بناء مثيل له".

تزيين السقف بالفسيفساء

كان الاهتمام موجهًا نحو تجميل البناء وزخرفته من الداخل، وقد سخّر جوستنيان إمكانات الإمبراطورية لذلك، فجزء كبير من الجدران مغطى بألواح من الرخام بأنواع وألوان متعددة، وزينت السقوف بالفسيفساء.

بعد نحو عشر سنوات من تشييدها تصدع الجزء الشرقي نتيجة هزة أرضية وسقط جزء كبير من القبة الضخمة، فأمر جوستنيان بإعادة بنائها أكثر ارتفاعا من السابقة، ودعم الأساسات التي ترسو عليها القبة، فصمدت أمام عوامل الطبيعة والأحداث والحروب.

السلطان "الفاتح" يحولها لمسجد.

استمرت الكنيسة كمركز للمسيحية فترة طويلة حتى دخول الدين الإسلامي القسطنطينية (1453) فصودرت وحولها السلطان "محمد الفاتح" إلى مسجد. 

احتل جامع آيا صوفيا مكانة بارزة طوال عصور الدولة العثمانية، وأولى السلاطين كل الاهتمام والرعاية به خصوصًا أن السلطان محمد الفاتح كان قد صلى ركعتي شكر خارج الكنيسة بعد فتح القسطنطينية.

وأمر بتحويلها لجامع خلال ثلاثة أيام فأقيمت أول صلاة جمعة داخله، وتشير كل مصادر التاريخ والروايات المتناقلة بين ألسنة الأتراك المسلمين حتى اليوم، إلى أن تحويل الكنيسة لجامع قد تم في نفس يوم الفتح في جمادى الأولى 857هـ / مايو 1453م، وأضيف لها منبر ومئذنة من الخشب بفتوى من شيخ الإسلام وعلماء الإفتاء في الدولة العثمانية حين واجه المسلمون مشكلة في أداء صلاة يوم الجمعة والصلوات الجامعة.

فمع ظهور حاجة شديدة لأداء الصلاة الجماعية لدى المسلمين الفاتحين في منطقة مسيحية تخلو تمامًا من المساجد أو الجوامع، والوضع في الاعتبار الظروف الطبيعية للمدينة من حيث الطقس البارد والممطر طوال السنة وثلوج موسم الشتاء، كل تلك الظروف كانت وراء صدور فتوى جواز تحويلها لجامع والاستفادة منها بدلا من تركها على حالها المهجور.

بناء المآذن الأربع

فيما بعد بنيت المآذن الأربع حولها في شكل إسطواني وقمة مخروطية، إلا أنها لم تؤثر على الهندسة البيزنطية، وظلت آيا صوفيا مسجدًا حتى بداية القرن العشرين عندما حوّل أتاتورك المبنى إلى متحف.

أصدر السلطان الفاتح أوامره بإزالة الصليب من أعلى القبة وفي أماكن بارزة، وبنيت مئذنة في جدار الكنيسة من الخارج، ووضع منبر خشبي في الجانب الأيمن من رواق الصلاة، وتركت الزخارف والنقوش والرموز المسيحية وصور المسيح ومريم على الجدران والسقف. 

وكان الأتراك وضعوا غطاءً فوق هذه الصور، لكنهم كشفوا عنها عندما أصبح المبنى متحفًا، كذلك أضاف إلى الجدران آيات قرآنية وأربع لوحات كتابية ضخمة دائرية الشكل في أعلى الأعمدة الأربعة الرئيسة وفي قلب القبة من جهة المحراب، كتبت عليها كلمات: "الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، علي".

تستند القبة المركزية على أربعة أعمدة جرانيتية ضخمة ومستديرة قطرها ثلاثة أمتار عالية الارتفاع. 

وللجامع باب واحد كبير مفتوح لجهة الغرب، ولا يؤدي مباشرة إلى صحن الجامع الداخلي، إنما يمر الزائر في ساحة مستطيلة الشكل قبل انتقاله إلى الداخل.

في نهاية هذه الساحة المستطيلة من جهة الشمال يقع باب يؤدي إلى السلّم الداخلي المؤدي إلى الطابق العلوي، وهو فريد من نوعه؛ إذ لا يشتمل على درجات تصاعدية، بل سلم حلزوني واسع يرفع المرء إلى أعلى بطريقة بسيطة وتدريجية تعتمد على السير في دهاليز حلزونية.

محاولات مستمرة لإعادة المسجد 

ومنذ منتصف الثمانينات ظهرت مجموعة دينية في إسطنبول من الشباب تقوم بحركات اعتراض ومقاومة أمام الجامع بين الحين والآخر، لحث الحكومة التركية على إعادة الصلاة في الجامع، ولكن قوات الأمن تعتقل أفرادا من هذه المجموعة ويصدر القضاء التركي أحكامًا بالسجن على البعض منهم.

وسبق وأن أعلن نجم الدين أربكان الزعيم الإسلامي التركي أكثر من مرة خلال الحملات الانتخابية التي أجريت منذ عام 1989م عن نيته في إعادة فتح الجامع للصلاة حال فوزه بأغلبية المقاعد البرلمانية وتشكيل حكومة منفردة.

جمع 15 مليون توقيع لإعادته مسجدا

وقال صالح توران - رئيس رابطة شبان الأناضول - التي جمعت 15 مليون توقيع للمطالبة بإعادة تحويل المتحف إلى مسجد في بيان صحفي منذ أيام: إن هذه "محاولة جادة لكسر أغلال آيا صوفيا"، وأضاف: إن هذا المسجد "رمز للعالم الإسلامي ورمز لفتح إسطنبول، وبدونه لا يكتمل الفتح". لقد فشلنا في الحفاظ على وديعة السلطان محمد"، مشيرا إلى صك وقّعه السلطان محمد الفاتح في القرن الـ15 وينص على أن يكون الصرح مسجدا.

حرب كلامية بين تركيا واليونان 

أبدت أوساط يونانية شعبية ورسمية قلقها من تصريحات مسئولين أتراك في نوفمبر الماضي بشأن إعادة تشغيل آيا صوفيا مسجدا إسلاميا كما كانت حتى عام 1934، واصفة الخطوة بأنها "إهانة لمشاعر الملايين من المسيحيين" بالتزامن مع بدئها حملة لجمع التوقيعات بهدف إيقاف الخطوة التركية المرتقبة.
الجريدة الرسمية