رئيس التحرير
عصام كامل

متعة التسوق بلا تسوق!

استقر بنا الأمر على أن الوقت قد أزف، وأن رحلة إلى الأسواق أصبحت ضرورة قبل أن يحل الشهر الكريم، ذلك ليس من قبيل الإسراف فى الشهر المبارك، فأنا شخصيا من الذين يعايشون الشهر الفضيل باستعدادات يسيرة تتوافق مع قدسيته وزهده والتفرغ فيه لما هو أبعد من الطعام والشراب.


على غير العادة لم يكن السوق الذى اعتدنا التبضع منه مزدحما، وهو أمر محمود، إذ إن مثل هذه الأيام تشهد الأسواق زحاما مبالغا فيه، كل شيء شبه موجود تقريبا إلا من غياب لبعض الأصناف، وعلى رأسها السكر، وهو سلعة ليست مرغوبة فى بيتنا بالمناسبة، لذا لم أنزعج.


مررنا سريعا على ساحة الأرز الذى سجل الكيلوجرام منه ما بين الأربعين جنيها والخمسة وأربعين، فقررنا ودون تردد أن نقلل من النشويات، والأرز فى جوهره ليس منتجا مفيدا للدرجة التى تجعلنا نغامر بالإقبال عليه تخزينا أو استهلاكا، فهو فى النهاية من مسببات السمنة.


أنا شخصيا أحب التونة، ولى معها قصص وحكايات، لذا كان من الواجب زيارة متحف التونة بالسوبر ماركت الكبير الذى كنا نتبضع منه، وقد هالنى أن تصبح محبوبتى عزيزة إلى هذا الحد، فقد بلغت أسعار العلبة الواحدة التسعين جنيها، وزادت فى بعض أنواعها عن المائة.


توقفت طويلا أمام قرار الشراء، وأخيرا أقنعت نفسى أنها فى النهاية منتج محفوظ بمواد أكثر سُمِّية، وأن كثرة تعاطيها يؤدى إلى أضرار بالغة فى الصحة، وقياسا على قاعدة ما يضر كثيره فقليله حرام؛ حرمت على نفسى التونة، وكان قرارى بلا تردد.. ملعون أبو التونة!

متعة الرحلة


وطالما نتبضع للشهر الفضيل، فإن وجبة الفول أساسية فى السحور، وذلك لصمودها أمام الجوع الكافر، واعتبارها وجبة القتل العنيف ضد وحش المعدة الفارغة، فهو يبقى ويبقى ويبقى إلى حد رغبتك فى التخلص منه بشتى الطرق دون جدوى.. بلغ سعر الكيلو منه مائة جنيه.. بلاها فول، خصوصا أنه أكثر ضررا على القولون.. درءا لمفاسد المرض قررنا عدم ابتياعه.


وبعيدا عن الفول والأرز والسكر، كان لا بد من زيارة بيت اللحوم، وفى الحقيقة أننى مررت به مرورا افتراضيا مثل مرورى على أسعار المجوهرات غالية السعر، فقد بلغ سعر صدور الدجاج مبلغا جعل الدلوف إليه مغامرة محفوفة بالمخاطر، كيلو الصدور زاد عن الثلاثمائة جنيه، أى والله.


قديما قال لى صديقى الطبيب: إن صدور الفراخ وأوراكها تحظى بنسبة عالية من الكوليسترول، وهو أمر أعانى منه منذ سنوات الحبس على مقعد العمل لساعات طويلة، والأولى بى وحرصا منى على صحتى وإمعانا فى الاحتفاظ بقليل من العافية كان قرارى سهلا ويسيرا بهجر عالم الفراخ.


أما اللحوم، فهى كما رأيتها منذ آخر مرة عندما اشتريت منها كيلوجراما بالتمام والكمال، وقد ظلت ثلاجتى تحتفظ به لمدة زادت على الشهرين، وفى كل مرة يسعدنى جدا مجرد رؤيتها وهى بشحمها وحمرتها غير الخجلة تراوح مكانها عزيزة أبية، يحفظها من الهضم والعض ذلك الثمن الذى دفعناه حينها.. اللحوم الحمراء وباء وأمراض والبعد عنها غنيمة.


مرت بنا الساعات تليها ساعات، ونحن نراقب عن بعد تلك الورقة الصغيرة التى وضعها عمال السوبر ماركت وقد سجلت عليها أرقام كانت قديما تدفع مقدم أضحية العيد الكبير أيام أن كان لدينا أعياد نضحى فيها قبل أن تضحى بنا الحكومة فى يوم لا عيد فيه.


على مساحة خجولة كانت أكوام صغيرة من ذلك المسمى «كاجو» و«فستق» و«لوز» وكثير من الزبيب، وأعترف أن الطواف حول مثل هذه المنتجات متعة فى حد ذاتها، ولا يجب أن تعبر مرحلة الطواف إلى مرحلة اللمس أو مجرد التفكير فى حيازة بضع جرامات مثل تلك التى يحتفظ بها المدمنون على جوهر الحشيش أيام أن كان المزاج المصرى «عالى وتمام التمام».

 


كان الوقت قد مضى، ومتعة الرحلة لا يضاهيها متعة، فما أعظم من أن تشاهد المباراة وكأنك بالملعب، أو أن تعاين ما كان ممكنا بعد أن أصبح مستحيلا، وقد ظننت أنى الوحيد الذى مر بهذه الرحلة المبهجة حتى جاء موعد خروجنا، فوجدت أن كل أقرانى من المواطنين يضعون عربة التسوق كما أخذوها.. خالية من كل بضاعة!

الجريدة الرسمية