رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية حضرة الظابط مع شركة السكر!

قرار تولى رجل الشرطة اللواء عصام البديوى محافظ المنيا السابق رئاسة شركة السكر والصناعات التكاملية التابعة للشركة القابضة الغذائية التابعة بدورها لوزارة التموين، وهو القرار الذى صدر في ديسمبر 2020 ترك وراءه العديد من علامات الاستفهام وقت صدوره.. 

 

خاصة وأن طبيعة هذه الصناعات تعتمد بشكل رئيسى على المتخصصين من ذوى الخبرة من المهندسين والكيميائيين، والذين يملكون حرفية التعامل مع مزارعى القصب على وجه الخصوص وهى مجالات بعيدة تمامًا عن ذلك الرجل الذى ظل طول عمره يعمل فى القطاع الأمنى كضابط شرطة متميز.


اللواء عصام البديوى كان ضابطًا بمباحث أمن الدولة برتبة رائد قبل أحداث يناير وتدرج في المناصب حتى تولى منصب مدير الإدارة للمتابعة والتعاون الدولى ثم خرج من الخدمة، وشغل منصب محافظ المنيا في 7 سبتمبر وإستمر فى هذا المنصب حتى 28 أغسطس 2018.


فالرجل كما يشهد تاريخه الفريد ليست له علاقة من قريب أو بعيد بعمل تلك الشركة العملاقة، وكان من الأولى أن يُوسّد الأمر لأهله من أبناء تلك الشركة العريقة، وهم كثيرون وعلى درجة عالية من الكفاءة.. أما حين يُوسّد الأمر لغير أهله فعلى الشركة أن تنتظر الخراب والخسائر.


تمتلك شركة السكر والصناعات التكاملية 8 مصانع في الوجه القبلى كل مصنع منها عبارة عن صرح عظيم من صروح الوطن أقيم كل منها على مساحة شاسعة ليتمكن من إنتاج العديد من المنتجات إلى جانب المنتج الرئيسى وهو السكر، وهذه المصانع هى الحوامدية وأبو قرقاص وجرجا ودشنا وأرمنت وقوص ونجع حمادى وإدفو. 

مصنع السكر بأبوقرقاص


وفى إطار سلسلة هدم وتركيع الصروح الوطنية، وبدون سابق إنذار أعلن اللواء عصام البديوى رئيس مجلس إدارة الشركة يوم الأثنين الماضى وقف إنتاج سكر القصب هذا الموسم وحتى منتصف مارس القادم في واحد من أبرز هذه الصروح العريقة، وهو مصنع أبوقرقاص بمحافظة المنيا تلك المحافظة التى كان رئيس الشركة محافظًا لها، وتحويل واردات القصب إلى مصنع جرجا بسوهاج.


مصنع السكر بأبوقرقاص أيها السادة تم إنشائه فى عهد الخديوى إسماعيل عام 1869 أى قبل 155 عامًا بالتمام والكمال، وبغض النظر عن التاريخ العريق لهذا المصنع الذى لم يتوقف يومًا واحدًا طيلة 155 سنة مما يعدّون، فهو ينتج العديد من المنتجات بخلاف السكر سواء من القصب أو البنجر منها  المولاس الناتج من رواسب قصب السكر والذى يستخدم فى إنتاج مجموعة كبيرة من المنتجات الثانوية مثل الكحول الإيثيلى وثانى أكسيد الكربون والخميرة الجافة والطازجة وحامض الخليك وخميرة العلف والمذيبات. 


أما حجم الإنتاج السنوى فى هذا المصنع فهو 38 ألف طن سكر قصب و78 ألف طن سكر بنجر و30 مليون لتر كحول و165 ألف طن خميرة جافة.


معنى توقف هذا المصنع الذى يضم أكثر من 1400 عامل أن كل هذه المنتجات سوف تخسرها الشركة هذا الموسم بإستثناء سكر البنجر بسبب هذا القرار الذى صدر بحجج واهية تندرج تحت شعار عذر أكبر من ذنب.


أصل الحكاية كما جاء على لسان "حضرة الظابط" أن حجم إنتاج محافظة المنيا من القصب يبلغ سنويًا نحو 950 ألف طن كان المصنع يستقبل منها 750 ألف طن، وذلك عام 2020 أى فى العام الذى تولى فيه حضرة الظابط المسئولية، ولكن بلغت الكمية التى تم توفيرها للمصنع بعد 2020 نحو 90 ألف طن فقط مما تسبب فى تعرض المصنع لخسائر قدرها 112 مليون جنيه.. 

 

مشيرًا إلى أن كل المساعى التى قامت بها إدارة المصنع لتوفير القصب من المزارعين بائت بالفشل، وبالتالى تراجع حجم توريد القصب للمصنع فى العام الماضى 2023  تراجع تمامًا حيث بلغ 10 آلاف طن فقط وهى كمية تكفى للعمل لمدة 5 أيام فقط!

 أسعار توريد القصب للشركة


ويرجع سبب إمتناع المزارعين عن توريد القصب للشركة إلى أنهم يطالبون برفع سعر الطن 1500 إلى نحو 2500 خاصة وأن أصحاب العصّارات الخاصة ومنتجى العسل الأسود يعرضون سعر يتجاوز 2200 جنيها لشرائه من المزارعين الذين يتحملون أيضًا تكلفة نقل وشحن القصب إلى الشركة، لعدم وجود خط السكة الحديد الموجود داخل الشركة الديكوفيل.. 

 

والذى تعطل منذ أحداث يناير حين تمت سرقة القضبان الحديدية في ظل هذه الأحداث التخريبية ولم يتم إصلاحه حتى الآن، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل رئيس لهذه الشركة سابقًا كان دائم التواصل مع المزارعين، وكانت لديه القدرة على توفير القصب بالسعر المناسب لكلا الطرفين المزارعين والشركة، ولم يحدث مطلقًا أن عزف المزارعون عن زراعة القصب أو باعوا منتجاتهم خارج الشركة.
 

ليس مقبولًا على الإطلاق أن يوقف رئيس الشركة مصنع أبوقرقاص بكل تاريخه العظيم وبكل إمكانياته الضخمة وأن تخسر الدولة كل هذه المنتجات، ومن العجيب والغريب أنه يقع في المحافظة التى يتباهى بها رئيس الشركة ذاتها أنه كان محافظًا لها، لدرجة أنه أصدر كتابًا تحت عنوان "تجربتى.. كنت محافظًا للمنيا" وذكر فيه عظمة هذا المصنع التاريخى ومدى مساعدته فى دعم الإقتصاد الوطنى مثله مثل باقى مصانع تلك الشركة الإستراتيجية العملاقة..

 

ويحدث ذلك أيضًا فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة حادة في السكر، فضلا عن أن العمال أصبحوا بلا فائدة بعدما توقفت الماكينات عن العمل لأول منذ قرن ونصف القرن من الزمان، كما أن الأمر لا يتوقف عند إنتاج السكر من القصب رغم خطورته ولكنه يرتبط أيضا بالصناعات الأخرى التى ينتجها المصنع والتى تتعلق بمشتقات القصب ومخلفاته.

 
كما تجدر الإشارة إلى أن منتجي المحاصيل السكرية سبق أن حذروا من التعرض لكارثة كبرى بسبب غلق مصنع سكر أبو قرقاص بالمنيا مؤخرا، مؤكدين أن الكارثة تتمثل فى وقف الأيدي العاملة عن العمل، وتحمل الشركة أجور عمالة بدون عمل، فضلا عن خفض الإنتاج المحلى من السكر فى الوقت الذى يشهد فيه السوق أزمة طاحنة في سلعة السكر بالاسواق.


وأوضحوا أن طن القصب يصل سعره 1500 جنيه ويُباع للعصّارات بأكثر من ألفى جنيه بشكل مباشر من الأرض، بدون تكلفة شحن أو جمع أو نقل للمحصول على المزارع، في مقابل أن شركة السكر تشتريه بـ 52 ألف للفدان أى حوالى 50 % من  ثمنه الحقيقي، ناهيك عن التكلفة الكبيرة على المزارع في عملية الشحن وجمع المحصول ونقله لشركة السكر.

 


وأضافوا أن شركة السكر تتحمل مسؤولية ذلك، ومنذ سنتين حذرنا مرارا وتكرارا في إجتماعات متكررة مع رئيس مجلس إدارة الشركة عن وجود احتمال كبير لتعرض محصول قصب السكر لأزمة كبيرة، إلا أنه لم يعر الأمر أى إهتمام، وكأن الأمر لا يعنيه.

الجريدة الرسمية