رئيس التحرير
عصام كامل

هو صاحب الكلمة العليا

في الغالب يبدأ جسد الإنسان بعد الخمسين يعرف المرض وطريق الأطباء.. والأسباب متعددة بعضها معروف، والآخر غير معروف، لكن هل يمتد عقاب الزمن لروح الإنسان، والسبب والذنب غريب هو كثرة معارفه وأقاربه وأصدقائه؟ أقول ذلك وأخشى تحوله إلى خبر عادى من كثرة  تكراره يوميا.. أقصد المرض بأخطر أنواعه والموت من كثرة أبطاله.. كتبت قبل ذلك عنه، وما زالت الكلمات نابضة بالألم والوجع وما أقسى وجع الفراق إلى الأبد. 

هو صاحب الكلمة العليا.. كلمته لا ترد.. إذا طرق باب أحدنا.. دخل بلا استئذان وأخذ منا ما يريد وانصرف في هدوء قبل أن نراه.. وعلينا السمع والطاعة.. لا فرق عنده بين غنى وفقير.. بين ملك ومملوك.. له قانونه الخاص ودستوره الأبدى الذى لا ينفع معه أقلية أو أغلبية.. يضرب عرض الحائط بقواعد أهل الحياة.. سواء كان نباتا أو حيوانا أو إنسانا.. قد يترك المريض ويأخذ السليم.. قد يأخذ الشاب ويترك العجوز.. ولا مرد لحكمه.


"اللقمة فى المشنة عمرها أكبر من عمر بنى آدم" كانت تقولها أمي، وكنت أضحك ساخرا.. تسألني عن السبب.. أقول: ممكن آكل اللقمة الآن وأجعلها نسيا منسيا في بطن الحوت، تضحك قائلة: الوقت سوف يسرقك عندما تفكر، ثم عندما تحرك يدك، ثم عندما تقضم اللقمة، ثم عندما تضعها في فمك، ثم عندما تمضغها، ثم..، وثم..، وتكمل أمى: لكنه إذا جاء هو رمح في لمح البصر أو أقل.. يعنى قد يأتى وأنت ما زلت تفكر أو تهم برفع يدك أو تهم بقطع اللقمة.. إذن من الأسرع يا بني؟


الحياة والموت

تقولها أمي بتحد! أصمت، وعندما كبرت بعض الشيء أدركت فحوى حديث سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام وهو يحاجج مدَّعى الربوبية ويصفها المولى عز وجل بقوله تبارك وتعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".


يعنى الحياة والموت قضية أبدية لا يعرف كنها أحد ولم يتوصل لسره أحد، من الذى يجعل المخلوق حيا ثم يجعله ميتا، مدهوسا تحت الأقدام أو مرفوعا فوق الأقناع، والله يرحمه عمنا صلاح جاهين فى رباعياته الشهيرة: 
"خـــــــــرج ابن آدم من الــعدم قلت: يـــــاه
رجـــــع ابن آدم للعـــــــــــــدم قلت: يـــــاه
تـــــــــراب بيحيا... وحـــــي بيصير تـراب
الأصــــــــل هــــو المــــوت وإلا الحـــياة ؟
عجـــــــبى..!!

ندخلها عرايا نصرخ ويضحك الأهل ونخرج منها عرايا، وقد نجد من يصرخ لفراقنا أو لا نجد، وفى الحالتين نذهب معه! هو الموت الذى لا راد له.. هو الذى وقف له الرسول الكريم يوما ما عندما مرت أمامه جنازة ليهودى.. وعندما قالوا له: إنها جنازة يهودي يا رسول الله. قال: أليست نفسا؟
هى الحياة وهو الموت، ونحن الأحياء الآن والموتى بعد ثوان أو دقائق أو سنين.. لا أحد يعرف؟! تنتهى الحياة ولاينفعك مجد أو منصب أو جاه.. تذهب وحدك بدون حبيب أو أب أو أم أو ولد.. يعنى كما جئت وحيدا تذهب وحيدا.
 


أين نستقر بعد الرحيل؟

جسد في قبر معروف أو مجهول.. قبر في البر أو البحر أو الجو.. جسدك تراب أم رماد؟ هل ستكون غذاء لدود يأكل جسدك قبل أن تتحول أنت ودودك إلى تراب؟! هل يحترق جسدك فى طائرة.. أو تحترق بفعل الأهل كما يفعل البعض في الهند ويتحول جسدك إلى بقايا رماد في زجاجة.. باختصار لا أحد يعرف مصيره النهائى. نصنع قبورا لنا ونشيدها ولا نضمن أن ندفن فيها، مقابر 5 نجوم بالرخام والورد نعتقد أننا سنسكنها سعداء وقد يأتى القدر ونحن بعيد عنها وندفن فى حفرة أو قاع بحر أو ينتشر رماد أجسادنا فى الفضاء!

ويبقى السؤال الأبدى: هل نموت حقا أم تنتقل أرواحنا لتسكن أجسادا جديدة لا نعرفها؟! حقا أحيانا أذهب إلى مكان لأول مرة وأحس أن هذه الزيارة لم تكن الأولى! وأحيانا أقابل أشخاصا لأول مرة وأشعر أننى قابلتهم من قبل! وأسأل روحى هل جئت من قبل هنا أو قابلت هؤلاء من قبل ولا أجد إجابة، أقف مذهولا أمام الأية 59 وما بعدها من سورة الواقعة: "نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ".

 


أصرخ بلا صوت: يا ترى روحى هذه سكنت جسدى هذا لأول مرة أم سكنت أجسادا من قبل هنا وهناك، الآن أو منذ أزمان طويلة على الأرض أم في كواكب أخرى؟!
"نظرت فى الملكوت كتير وانشغلت
وبكل كلمة ليه وعشان إيه سألت
أسأل سؤال، الرد يرجع سؤال
وأخرج وحيرتي أشد مما دخلت "
YOUSRIELSAID@YAHOO.COM

الجريدة الرسمية